وهذا هو الأشبه الأليق به وبالصحابة، وليس يُستنكر أن يكون كان أكثرها
قصصا وأمثالاً ومواعظ فنُسخت التلاوةُ ونُسخ فيها التلاوة في الرجم، ولهذا
قال: "وإن كان فيها آية الرجم "، وقد بينا أن آية الرّجمِ منسوخةَ التلاوة، وإن كانت باقية الحكم فكأنه قال لنا: نقرؤُها قبل النسخ، وكان فيها آية ُ الرجم فنُسخَ منها أكثرُها وكان مما نُسخ آيةُ الرّجم.
وقال عمر بن الخطاب: لولا أن يقال: زاد عمرُ في كتاب الله لأثبتها وتلا: "والشيخ والشيخة فارجموهما ألبتة"، ولم يقل ذلك إلا لعلمه وعلم الأمّةِ بأنّ الآية َ منسوخة وأنّ إثباتها زيادة على ما ثبت فرضُ إثباته وحفظه على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله.
وإذا كان ذلك كذلك لم يُنكر أن تكون سور بأسرها قصصا وأخباراً
وأمثالاً، أو عظمها كسورة يوسف والكهف وأمثالهما، وأن لا يكون فيهما ما فيه حكم ثابت إلا اليسير الذي بقيَ فرضُه، أو نُسخَ وبقي حكمُه وحُفظت تلاوتُه مع زوال فرضه لموضع تضمنه للحكم اللازم لهم، لم يجب مع
إمكان ذلك أن يجعلَ قولُ أبي هذا دلالةً على نقصان القرآن، أو أنّ أبيّا كان
يعتقدُ ذلك أو أنّه عرضَ به في هذا القول، وهذا بيّن في إبطال تعلُّقهم بهذه
الرواية من كل وجه.
فأمَّا ما يذكرونَه عنه في الحروف والكلمات الزائدة في مصحفه نحو ما
ذكر أنه كان يقرأ وغيره من الصحابة: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)، (وهي صلاة العصر)، ونحو ذلك فإنه أيضا ممّا لا أصلَ
له، ولو ثبت لاحتمل من التأويل ما نذكره فى هذا الفصل من الجواب عن
القراءات الزائدة على ما في مصحف عثمان، وهذه جملة تكشفُ عن إبطال
ضجيجهم وتهويلهم بخلاف عبد الله وأبى، وهذان الرجلان هما العهدة فيما
يدّعى من خلافهما للجماعة وكثرة مخالفة مصحفيهما لمصحفِ الجماعة، وقد
ثبتَ أنّه لا حجّة لهم في شيء مما يَرْوونه عنهما بما في بعضه إقناعٌ وبلاغ.