يقرؤون قرآناً كثيراً لا يقرؤه غيرهم، فذهب من القرآن ما كان عندهم ".
يُحتمل أن يكون أراد به أنَّهم كانوا يكثرون دراسةَ القرآن وتلاوتَه والتهجدَ
به والانتصابَ لقراءته في المحاريب وغيرِها في آناء الليل وأطراف النهار
ويقدرون من ذلك على ما يثقُل ويتعذَّرُ على كثير ممن بقي من الأمّة، وإن
كان منهم اليسيرُ ممّن يساوي من قُتل باليمامة من هذا الباب، ويكون قوله:
"فذهبَ من القرآن ما كان عندَهم " محمولا على أنّه ذهبَ أكثرُ درسة القرآن
وتلاوته وتركِ التهجد والابتهال به ما كان عندهم، وهذا هو الذي أرادَه
وقصدَه إن صحَّ هذا القولُ عنه دون ذهاب شيء من القرآن على سائر من بقيَ من الأمَّة.
وكيف يقولُ ذلك وهو يعلمُ أنّ القومَ الذين قُتلوا إنما أخذوا القرآن عن
أبيّ وعبد الله وأمثالهما، وأئمتُهم باقون، أو أخذوه عن الرسول والرسولُ قد أقرأَه وحفظه عن أبيّ وعبد الله بن مسعود وستة من أمّته حفّاظ، وأنّ العادةَ مستقرّةٌ موضوعةٌ على إحالة انكتام أمر قرآن كثيرٍ وذهابِ حفظِه عن مثل من بقي من أمَّة محمّدٍ - ﷺ - وفيهم أبو بكرٍ وعمرُ وعثمانُ وعلي وأبيٌّ وعبدُ الله بن مسعود وزيدُ بن ثابتٍ لولا غباوة من يظن أنّ في التعلُّق بمثل هذه الرواية شبهة، فوجبَ بما وصفناه بطلان هذه الرواية أو حملها على التأويل الذي وصفنا إن سلمنا صحتها يوما ونظرا.
وأما ما يتعلّقون به في هذا الباب من الرّواية عن عمر بن الخطاب من أنه
خطبَ وقال على المنبر: "أيّها الناسُ إئاكم أن تهلكوا عن آية الرّجم فلقد
رأيتُ رسولَ الله - ﷺ - وقد نزلت وقرأ بها، ولولا أن يقول الناسُ زاد ابن الخطاب في كتاب الله، لكتبتُ فيه أو لألحقت في حاشيته: