بالثبوت والصحَّة من الروايةِ التي ذكروها، وإذا كان ذلك كذلك سقط ما
تعلّقوا به، لأن من شأن الخبرين المتعارضين أن يتساويا، فإمّا أن يكون
أحدُهما خبرُ واحدٍ والآخرُ تواتر، ونقلُ الكافة بأنّ هذا هو القرآنُ كلُّه تواتر، وجميعُ ما يُروى من خبر أبي موسى وعائشةَ وغيرهما أخبارُ أدلّةٍ ضعافٍ لا
يُرتفع بها، فسقط ما قالوه.
وعلى أنّ هذه الروايات لو صحَّت عن أبي موسى لاحتملت من التأويل
الصحيح غير ما ذهبوا إليه، وذلك أن قوله: "والله لقد كنّا نقرأ سورةً على
عهد رسولِ الله - ﷺ - كنّا نُشبِّهها ببراءةَ تغليظاً وتشديداً فنسيناها غير أنَي أحفظُ منها حرفاً أو حرفين " إلى آخر الخبر ليس بتصريح منه ولا يُقرُّه فكأنّهم ذهبوا عن حفظ ما لزمهم حفظه وبقي رسمُه، ولا بأنّ غيره كان لا يحفظُ من هذه السورة المنسوخة ما يذهبُ عليه حفظه، وإنما هو إخبارٌ منه بأنّهم كانوا يقرؤون سورة هذه صفتُها، فيمكن أن يكون ذلك صحيحا عنه، وأن تكون تلك السورةُ نُسخَ رسمُها فتشاغلَ أبو موسى بحفظ الواجب الباقي رسمُه عن حفظِها فلم يبقَ عليه منه إلا حرفٌ أو حرفان، وأن يكون غيرُه قد كان يحفظُها بأسرها أو كثيراً منها، وهو لم يصرّح بأنهم أسقطوها ونقصوها وأنّها باقيةٌ غيرُ منسوخة، وإنّما أخبر أنّهم كانوا يقرؤونها فقط، وهذا لا يدلّ على بقاءِ رسمِها ويدل على أنّ هذه الروايةَ إن صحّت فهذا قصدُه بذكرِ ما قالَه في قوله: "غير أنِّي أحفظُ منها لو كان لابن آدم".
وهذا من جملةِ ما قد تظاهرت الأخبارُ بأنَّه منسوخ، فيجبُ أن يكونَ
حكمُ ما نسيه في أنه منسوخٌ حكمُ ما ذكره معه، في ظاهرِ الحال وقد يجوزُ
أن يذهبَ الناسُ عن حفظ ما يسقطُ فرضُ حقَه ونسخَ رسمُه، ولا يجوز في
مستقر العادة ذهابُهم جميعا عن حفظ الباقي الرسم الثابت الفرض، وإذا