عندَنا صحيح غيرُ مستحيل، وإن كان مثلُه اليومَ متعذراً على وضع العادة مع كمالِ العقل، لأن اللهَ جل وعز إنما خرقَ العادةَ بحفظ ذلك على زمنِ
الرسول، لكي يجعلَ ذلك آيةً له ودلالةً قاهرةً على صدقه في الناسخ
والمنسوخ، وليردَّ بذلك قولَ مَن حكى عنه أنّ ذلك افتراءٌ من الرسولِ في
قوله: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ)، فهذا عندَنا أحدُ آياتِ الرسولِ - ﷺ -.
وقال قومٌ: إنما كان يذهبُ بحفظِها من قلوبِ جماعةٍ منهم يجوزُ على
مثلِهم النسيان، فأمّا على سائرِهم فلا، فإذا عرض ذلك البعضُ الآيةَ خُبروا
بأنها قد نُسِخَت عن الكل، فوقعَ عندَ ذلك الفتورُ من الجميعِ والإعراضُ عن
التحفُظ، فعمَ النسيانُ جميعَهم.
وقال آخرون: إنما كان نَفَرٌ منهم يَنسَونَ منها مواضعَ قد جرت بنسيانِ
مثلِها فيضطربُ عليهم ضرباً من الاضطراب، فإذا عرضوا ذلك على الرسول خُبروا بأنها قد نُسِخَت عن الجميع، فأما أن ينسى النفرُ منهم جميعَ الآية ِ فإنه محالٌ ممتنِعٌ في مستقِرِّ العادةِ مع بقاءِ الفهم وكمالِ العقل.
وقال آخرون: بل كان اللهُ تعالى يُذْهِبُ عن قلبِ كل واحدٍ منهم حِفظَ
موضعٍ منها غيرِ الموضع الذي يذهبُ بحفظه عن قلبِ الآخر، فينسى كلُّ
واحدٍ منهم غيرَ ما ينساهُ الآخر، وذلك جائزٌ في العادة، فإذا عرضوا ذلك
على رسولِ الله - ﷺ - لاضطرابِ جميعهم فيها على هذه السبيل خُبِّروا بأنها قد نُسِخَت عنهم، فاما أن يتفقَ لجماعتهم نسيانُ جميعِ الآيةِ أو نسيانُ موضع واحدٍ منها أو مواضعَ متساويةٍ فذلك محال.
وكل هذا ممكنٌ عندَنا وإن كان في بعضه خرقُ العادة، لأنه آية للرسول.
وليس الكلامُ في هذا الباب مما قصدنا له فكنا نُسهِبُ فيه.