إلا عندَ عائشةً في رقعة تحتَ سريرها، وعندَ آخَرَ أكلته الشاةُ مِن عنده! لولا
الجهلُ والغباوةُ!
والرسولُ عليه السلامُ منصوبٌ للبيان وحِياطةِ القرآنِ وحفظِ الشريعةِ
فقط، لا حرفةَ له ولا شيءَ يقطعُه من أمورِ الدنيا غيرُ ذلك إلا بنَصَبٍ يعود
بنُصرةِ الدين وتوكيدِه، ويثبِتُ أمرَ القرآن ويُشِيدُه، وكيف يجوزُ في العادةِ أن يذهبَ على هؤلاءِ وعلى سائرِ الصحابةِ آيةُ الرضاع والرجمِ فلا يحفظها
ويذكرها إلا عائشةُ وحدَها لولا قلةُ التحصيلِ والذهابِ عن معرفةِ الضروراتِ وما عليه تركيبُ الفِطَرِ والعادات.
فقد بأن بجملةِ ما وصفناه من حالِ الرسولِ والصحابةِ أنه لا يجوزُ أن
يذهبَ عليهم شيءٌ من كتاب الله تعالى قلَّ أو كَثرُ، وأنّ العادةَ تُوجِبُ أن
يكونوا أقربَ الناسِ إلى حفظِه وحراستِه وما نزلَ منه وما وقع وتاريخهِ
وأسبابهِ وناسخِه ومنسوخِه، وأن مَن حملَ قولَ قائلهم: "وما يدريك لعله قد
سقط به أو ذهبَ قرآنٌ كثيرٌ" على أنه دُثِرَ وضاعَ ونُقِلَت عن سائر الصحابةِ
وجميعِ الأمة لإعراضِها عن إعظامه وقلةِ رغبتها في حفظه وحراسته
واشتغالِها عنه بغيره وما هو عندَهم أهمُّ منه: فقد صارَ من الجهلِ بالعاداتِ
وما عليه أحوالُ الناس إلى أمرٍ عظيم.
فوجبَ بذلك حملُ جميعِ ما رُوِيَ عن آحادِ الصحابة من هذه الأقاويلِ
التي ذكرناها وما لم نذكره منها أيضا على التأويلِ والتفسيرِ الذي أوضحناه.
دون ما يظُنه من لا علمَ له ولا تحصيلَ عندَه، وبالله التوفيق.


الصفحة التالية
Icon