ابن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وغيرِهم على كتابة المصحف.
وأمرِه لهم بإثبات ما اختلفوا فيه على ما يقولُه النفرُ القرشيُّون، وقوله إنّه
بلسانهم نزل وإنهم لم يختلفوا إلا في التابوتِ فقالَ القريشيون: التابوت.
وقال الباقون: التابوه، وأنهم رفعوا ذلك إلى عثمان فأمَرهم أن يكتبوه بلغة
قريش، وهذه روايةٌ ظاهرة مستفيضة، ولو كانوا قد اختلفوا في ألفي حرفٍ
ساقطٍ وزائدٍ من جهة اللَّحنِ لوجبَ في مستقرِ العادةِ ظهورُ ذلك وإشهارُه
واللهجُ بذكرهِ، لأنّ اللّحنَ في هذا الباب أعظمُ وأفحشُ وأخطرُ من اختلافِ
لغتين سائغتين، فكيف ذهبوا عن حفظِ ألفي حرفٍ وحفظوا اختلافهم في
التابوت والتابوه حتى شهروه وأظهرُوه.
وإذا لم يجزُ مثلُ ذلكَ عُلم تكذُّبُ هذه الرواية على سعيدِ بن العاص.
وإن الثابت عنه وعن العبادلة القرشيين ما وصفناه، وسنزيدُ ذلك شرحاً وبياناَ في الاحتجاج لصحّة صُنع عُثمان في جمعِ القرآن.
والوجه الثالث: أن سعيداً إن صحَّت عنه هذه الرواية قد اعترفَ أنّه إنما
أراد بالزائد والناقص اللحن، فإمّا أن يكون قَصَدَ إزالة إثبات حروفِ يصيرُ
الكلامُ لحنا بإسقاطها، ونقصانِ حروف يصير لحنا بزيادَتِها، وأراد بذكر
الحروفِ الحركاتِ والإعراب، وليس هذا من نقصان القرآنِ وذهاب كثيرِ منه في شيء، وإذا كان ذلك كذلك بأن أيضاً أنّه لا شبهة لهم في هذه الرواية
ولا تعلُّق من كل وجه.


الصفحة التالية
Icon