سورة من مثله، وحَسَمَ بعظيم بلاغته وأنواع فصاحته أطماع الملحدين
والمنحرفين في تكلُّف نظيره والتمكن من الإتيان بشبهه وعديله، وأخبر أنّه
ليس من بحار كلام المخلوقين ولا شبه ما أضافوه إليه من أساطير الأولين
وتلفيق المتكلمين ونمط كلام الشعراء والمترسلين، فقال عز وجل في نص
التلاوة: (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ)، ثم قال تعالى: (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)، ثم قال جل وعز: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨).
وقال سبحانه: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ)، يقول إنه لشرف لك
ولقومك، وقال تعالى: (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣).
ثم نبّه تبارك وتعالى إلى أن مجيءَ القرآن من مثله خرق للعادة ونقضٌ
لما عليه تركيب الطبيعة مع علم القوم بنشوه وتصرفه في ظعنه ومقامه، فقال
جل اسمه: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨).
وقال عز وجل: (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤).
وقال تعالى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ).
وقال عز وجل في قصة نوح: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩).
فنبه ونصّ وبيّن في نفس التلاوة على أنه إنما علم ذلك وتلقاه من قبل
وحيه إليه به، ثم أمر بالرجوع عند التنازع إليه، والاقتباس منه، والعمل
بموجبه، والمصير إلى محكمه، والتسليم لمتشابهه علماً منه بأنه تعالى