هذه الأمة وخلفها في هذا الجهل والاختلاف والحيرة والتضييع لمّا قهروا
وتآمروا وتجبّروا وغَصبُوا الإمامَ حقه وأزالوه عن رتبته، وخالفوا ونقضوا
عهدَ الرسول - ﷺ - إليهم، ولو قد كانوا ردّوا الأمر إلى أهله وأقرّوه في نصابه وسلّموه لمستحِقّه ووقفوا حيثُ رتبوا، وأخذوا علمَ ما كُلفوا من بابه ومعدنه وعظّموا من أمروا بتعظيمه والرجوع إليه والاقتباس منه: لاجتمعت كلمتُهم، وزال اختلافهم، ووصلوا إلى الحق الذي أمروا به وسَلِمُوا من تضليل الإمام والوقوع في الجهل والضلال، فيقال لهم: أما ادعاؤكم أن علة تورّط الناس فيما وصفتم مخالفتُهم الإمام المعصوم المنصوصَ لهم على إمامته ووجوب اتباعه وأخذ الدين عنه والانقياد له، فإنه باطلٌ لا أصلَ له، لما قد أوضحناه وبيناه في كتابي "الإمامة" من بطلان النصّ وثبوتِ الاختيار، وإطباقِ الأمة من السلف على العمل بذلك وتسليمهم الأمرَ إلى من عقد له جهة الاختيار، وأن هذه الجملةَ مذهبُ أمير المؤمنين عليٍ عليه السلام ودينُه، والظاهرُ المشهورُ عنه في أفعاله وأقواله من حيثُ لا سبيلَ إلى دفعه وإنكاره.
وأما ادّعاؤكم لتخطئة الخلف والسلف في نقل القرآن، وتضييعه وإهمال
أمره وذهابهم عن علم صحيحه من فاسده، وعملهم في ترتيبه ونظمه
والحرف الذي يقرأ به على آرائهم وظنونهم من غير عملٍ على توقيفٍ وخبر.
ولا حفظٍ لرواية وأثر، فليس الأمرُ في ذلك على ما ادعيتم ولا مما يذهب
تخليطكم فيه على ذي تحصيل، وأن الصّدر الأول ثم من بعدهم من التابعين
وجميع المسلمين وقادتهم وحكّامهم وفقهائهم في سائر الأعصار كانوا على