حالةٍ معروفةٍ من تعظيم شأن القرآن وإجلاله، وعظم محلّه من قلوبهم.
وقدره في نفوسهم، والتقرّب إلى الله عز وجل بتعلُّمه وتعليمه، وتحصيل
أعظم الثواب والشرف بحفظه، واعتقاد انحطاط كل عالم عن رتبة الكمال
بالتقصير في حفظ جميعه، وتدبر مواقعه ومواضعه، إلى غير ذلك من كثرة
فضائله عند كافّة المسلمين في كلّ وقت وأوان، متّبع عند كل عاقلٍ عرفهم
، وعرف حالَ القرآن في نفوسهم، وحث رسول الله - ﷺ - وحضه على تعليمه والتحذيرُ من تضييعه ونسيانه، وتغليطُ الأمر في ذلك. من أن يُظن بهم التشاغلُ عن ضبطه والتفريطُ في حفظه، وقلةُ الاحتفال به، وإثباتُ حفظ غيره، والعدول عنه إلى سواه.
وكيف يتفقُ ذلك لهم أو يمكن في العادة وقوعه منهم والقرآنُ عندهم
كتابُ ربهم، وأسُّ شريعتِهم، ويُنبوع علومهم، ومجموع فضيلتهم.
والمحتوي على أحكامهم وتفصيل دينهم، وهو مفزَعُهم ومعقلهم، والقاضي
عليهم والفاصلُ بينهم، ومدارُ أمرهم وقطبُ دينهم، الذي لا شيءَ عندَهم
أعظمُ منه شأنا، ولا أحق بالحياطة والحفظ والتحصين من كل سبب يوهنه.
وكيف لا يكون ذلك كذلك عندهم وقد سمعوا الله جلَّ ثناؤه يقول: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ).
ويقول تعالى (فَرُدُّوُه إلى اللَّهِ وَاَلرسُولِ).
ويقول سبحانه: (تِبيانا لِكُلِ شَيءٍ).
و (مَّا فَرطْنَا فِى اَلكتاب). ويقول تعالى: (بَيَان للِنَّاسِ)، ويقول جلَّ وعزَّ: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤).
ويقول جلَّ اسمه: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢).
و (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).
ويقول جلَّ ثناؤه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).