ببعضهم يثبت التواتر وتقومُ الحجَّة، ولزم لأجل ذلك تركُ الإحفال بما رُوِيَ
مما يُخالف ذلك.
فإن قال قائلٌ: ما أنكرتم أن يكون الفرقُ بين الأمرين أنه لم يُروَ عن
أحد خلافٌ في أن هذا هو جميع مصحف عثمان الذي جمعه وألَّفه على
حسب ما نظمه ورتبه، ولا وقع في ذلك تشاجر بين الناس، وقد اختلف في
أن هذا المصحف هو جميع ما جاء به الرسول - ﷺ - عن الله سبحانه على وجهه وترتيبه، أم لا؟
فادعى قومٌ أنه أقل من ذلك، وأنه مزيدٌ فيه، وادعى آخرون أنه منقوصٌ
منه، وشك في ذلك شاكون، وقطع قوم على أنه مغير عن ترتيب ما أُنزل عليه، وإذا كان ذلك كذلك افترقت الحال فيما ادعيتم الجمع بينهما، يقال لهم:
أولُ ما في هذا أننا لا نسلِّم قطعاً ويقيناً أنه لا مخالفَ في العالم في هذا
الباب، ولا شاك فيه مع سماعه لنقل الحجة، ولا ندري لعل في الناس من
يدعي تخليطَ النقلة لمصحف عثمان، وأنه مغيرٌ مبدّل، أو يُشك في أنه على
ما رتبه عثمان، بل قد علمنا أن في الناس من يدّعي تغيير الحجاج لمصحف
عثمان، وإذا كان ذلك كذلك بطل فرقكم هذا، على أننا لو تيقنا أنه لا
مخالفَ في ذلك. لم يمنع هذا من جواز حدوث خلافٍ في هذا الباب، وأن
ينشأ خلق كثير يدّعون ويرون غلطَ النقلة لمصحف عثمان، أو تعمدهم
للكذب فيه، ودعوى تغيير النقلة له عما رتبه ونظمه عليه عثمانُ، فإن
حدوثَ مثل هذا الخلاف غيرُ متعذرٍ ولا ممتنغ في عقلٍ ولا سمع، وقد تيقنَا
أن مثل هذا الخلاف لو حدث وقاله قائلٌ واعتقده معتقدٌ لم يجب لأجله
جحدُ نقل الكافة أو الشك في صحته، لأجل ما يُروى من خلاف ذلك، مع
قيام الحجة وانقطاع العذر بنقل من نقل أن هذا المصحف هو مصحفُ عثمان
على وجهه وترتيبه الذي أتفه عليه، فبطل بذلك ما فَضلوا به.