ومما يجبُ أن يُعتمدَ أيضاً عليهِ في إبطالِ كونِ هذه القراءاتِ كلها من كتابِ
الله الواجبِ قراءتُه ورسمُه بين الدفتين، إجماعُ المسلمينَ اليومَ وقبلَ اليوم
وبعدَ موتِ من رُويت هذه القراءاتُ عنه على أنها ليست من كلامِ الله الذي
يجب رسمُه بين اللوحين، والإجماعُ قاضٍ على الخلافِ المتقدم وقاطع
لحُكمِه، ومحرم للقولِ به لما قد بيَّنَّاه في كتابِ الإجماع من كتاب "أصولِ
الفقه"، بما يغني الناظرَ فيه، فوجب بذلك إبطالُ جميعِ هذه القراءات.
وقد يُحتملُ أن يكونَ جميعَ هذه القراءاتِ قد كانت منزَلةً على ما رويت
عن هذه الجماعة ثم نُسخت الزيادةُ على ما في مصحفنا والنقصانُ منه وإبدالُ
الحرفِ بغيره، والكلمةِ بغيرها، ونُهي القومُ عن إثباتها وتلاوتها، فظن كلُ
من كان لُقن شيئا منها أنه باقيَ الرسمِ غيرَ منسوخٍ وعلمَ ذلكَ عثمانُ والجماعةُ ونهوهم عنه، ثم علم أصحابُ هذه القراءاتِ صحة ما دعاهم إليه عثمانُ من إزالة هذه القراءات ونسخِها، وأن الحجة لم تقم بها، ولم يتيقن من وجه يوجبُ العلمَ أن رسول الله - ﷺ - قرأ بها فرجعوا عند التأملِ والتنبيهِ إلى قولهِ وأذعنوا بصحة مصحفه.
ويحتملُ أن يكون جميعَ ما سُمع منهم أو أكثرَه أو وجد مُثبَتا في مصحفٍ
لهم إنما قرأوه وأثبتوه على وجه التفسيرِ والتذكير لهم أو الإخبار لمن يسمعُ
القراءة بأن هذا هو المراد بها، نحو قوله: (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)، (وهي
صلاةُ العصر)، وقوله: (فإن فَاءوا "فيهن") وأمثالُ ذلك فقدر من سمعَهم
يقولون ذلك أو رآه مثبتا في مصحفهم، أنهم إنما قالوه وأثبتوه على أنه قرآن
منزل، ولم يكن الأمرُ عندهم كذلك ولا قصدوا لكَتبه بمصاحفهم وجعلها
إماما ومدرسةً للناس، وكانوا لا يثبتون فيها إلا ما ثبت أنه قرآن، دون غيره.