إليهم مِن ذلكَ أمراً غيرَ معلومٍ ولا متيفَن، مع أن نظمَ ما روى من قوله: لو
أن لابنِ آدم، نظم خفيف يُباينُ وزنَ القرآنِ ويفارقه، وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ
سَقَطَ التعلُّق بهذهِ الأخبارِ واقتضى ما فيها أنها لو صحت لوجبَ القطعُ على
أنه قرآنْ كان أنزلَ ونسخَ رسمه وأسقط، وحُظر علينا إثباته بين الدفتين
وتلاوته على أنه قرآن ثابت.
وكذلكَ سبيلُ ما رُوي عن عائشةَ من قولها: "كان مما أنزَل الله تعالى
عشرُ رضعات معلوماتٍ يُحرمنَ ثم نُسخن بخمسِ رضعات ".
ولعل قولها ثم نُسخن من كلامها، والصحيح في هذا أنه ليس شيء من هذه الروايات مستقراَ متيقَنا معلوماً صحته، فلا يجبُ الإحفال بها.
وكذلك ما رُوي عن ابن عمر في قوله: "لا يقولُ أحدكُم أخذتُ القرآن
كله وما يُدريه ما كله، قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل أخذتُ ما ظهر
منه "، وما ذُكر في سورةِ الأحزاب وغيرها مما قدمنا ذكرَه، وقد كان القومُ
يعلمون ويعلمُ أكثرُهم أن ما صحَّ من هذه الكلمات والقراءات التي ليست
في مصحف عثمان مرفوعةٌ منسوخةْ فربما عبروا عنها بالنسخ، وربما قالوا
سقطت، وقد رُوي: "أن عثمانَ بن عفان رضوانُ الله عليه مر برجلٍ يقرأ في
المصحف: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) "وهو أبوهم" فقالَ عمر: لا تفارقني حتى يأتي أبي بن كعب، فأتى أبي بن كعب فقال عمر: يا أبي، ألا تسمعُ هذا كيف يقرأ هذه الآية، فقال أبي: كانت فيما أسقط.
وقد عُلم أنه لا يجوز أن يذكرَ عمرُ وأبي وعائشة، وهذه الجماعةُ
وأمثالُهم في الفضل والسابقة قرآنا كانوا يعلمون أنه كان أنزلَ النبي صلى الله
عليه وأنه لم يُنسخ وترتفع تلاوته ولا أزيل رسمُه، فيتركوا قراءته وإثباته في