فنصُ هذه الآي على تغيير أهل الكتاب لكتابهم وزيادتِهم فيه ونقصانِهم منه، وإذا ثبت ذلك وصح أن الرسول قد ختر عن سلوك هذه الأمة لسنَنَهم في جميع ما كانوا عليه، وجب القطعُ على أن فيهم من غيّر الكتاب، وأحال نظمَه وقصدَ إيقاعَ التخليط والإلباس فيه، وساوى في ذلكَ مَن سبقه من أهل الكتابين.
يقال لهم: لا تعلق لكم فيما ذكرتُم من وجوه:
أولُها: أنكم قد علمتم على القطع بأن الأمة قد غيّرت القرآنَ وبدّلته
ونقصت منهُ من جهة هذا الخبر، وهذا عجز منكم وتقصيرٌ بيّن، لأجل أن
هذا الخبر من أخبار الآحاد التي لم نعلم صحّتها ضرورةً ولا استدلالاً، ولا
هوَ مما تلقته الأمةُ بالقَبول، ولا دل عليه بعضُ الأدلة الذالة على صحة
الأخبار، وإذا كان ذلك كذلك، لم يجُز أن نَتيقَّنَ ونقطع على أن الأمة أو
بعضها قد غيّرت القرآن وحرفته من جهة خبر لا سبيل إلى العلم بصحته.
لأننا إذا لم نعلم صحته كنّا عن العلمِ بتضمنه أبعدَ وهذا مما لا خلاف فيه.
أعني أنّه لا يجوزُ إثباتُ أصلٍ يُقطع به على الله تعالى بخبرٍ لا يُعلمُ بثبوته.
ولا نقطعُ بصحته، وإذا كان ذلك كذلك سقط تعلقكم بهذه الرواية سقوطا
ظاهراً.
فإن قالوا: هذا الخبرُ من أخبار التواتر، بُهتوا وكابروا وسقطت مؤونةُ
كلامهم، وادُّعيَ في كل خبر ينكرونهُ ويجحدونهُ أو يقفون في صحته أنّه خبرُ
تواتر، ولا سبيل إلى دفع ذلك.
وإن قالوا: قد قام الدليلُ على صحة هذا الخبرِ وإن قصَر عن حدّ التواتر؟
قيل لهم: وما ذلك الدليل، فلا يجدون إلى ذكر شيءٍ سبيلا، ثم يُقالُ لهم:
أنتم تجحدونَ خبرَ الرؤية والشفاعة، أو كثيرٌ منكم، وتجحدونَ