وأنه قال: "فمن سرَّه بحبوحة الجنة فليلزمِ الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد".
وفي رواية أخرى: "فإن يد الله على الجماعة، لا يبالي الله شذوذ من شذ"، إلى نظائر هذه الأخبار التي يطول تتبعها، وقد ذكرناها وبينا صحَّتها وثبوتها وتسليم الأمّة لها وتواترها على المعنى وإن اختلفت ألفاظها.
وأوضحنا فساد جميع ما يعترضون به عليها في كتاب الإجماع من كتاب
"أصول الفقه الصغير" بما يغني متأمله والناظر فيه.
وإذا كان ذلك كذلك وكنا قد بيّنا فيما سلف، وسنبيّنُ أيضا فيما يأتي إجماعَ الأمة في عصر أبي بكر عند جمعه للقرآن، وفي زمن عثمان وجمعه الناسَ على القراءات والأحرفِ الثابتة، أن ما بين اللوحين من القرآن الحاصلِ في أيدينا هو جميعُ كتابِ الله الذي أنزله على رسوله، ومرسومُ تأليفهُ الذي ألف عليه، ومقروء على وجه ما أُنزل عليه، وجبَ لذلك أن تكون صادقةً مُحقة فيما شهدَت به من هذا الباب، لإخبار الرسول عنها بأنّها لا تُخطىء وتضِلُّ ولا تُصدقُ كذباً، ولا تكذبُ حقاً وصدقا، فوجب لأجل ما وصفناه حملُ قوله:
"لتَسلُكُنّ بكم سنَنَ الذين من قبلكم على سلوك سنَنَهم فيما عدا تغيير
المصحف وتحريف الكتاب" لأجل هذا الإجماع وشهادة الرسول والأمة
على أنّه محفوظ إلى يوم القيامة، وأنّ قوله: (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).