ثم يقالُ لهم: إنَّ رسول الله - ﷺ - لم يقل ليَلحقَن كتابكم من الفساد والتغيير باختلاط حقه بباطله والتباسه بالحق كَدَأبِ من قبلكُم من
اليهود والنّصارى، وإنَّما يقتضي هذا الظاهرُ على ما قلتم أن يقع من الأمَّة أو
قوم منها تغييرُ الكتاب وتحريفهُ فقط، ولا يوجبُ ذلك أن يصير كتابُنا بذلك
التغيير مُفسداَ أو بالغا إلى حدّ في الوَهاء وضعف النّقل وقلة الحفاظ والضبط.
لا نعرفُ صحيحه من فاسده وسقيمه من سليمه ولا تقومُ الحجَّة ُ به، وإذا
كان ذلك كذلك لم يُنكَر أن يكون قوم من المنافقين والمدغِلين للدين في
صدر الإسلام قد قصدوا إلى تغيير القرآن وتقديمِ مؤخره، وإدخال ما ليس
منه فيه، وإخراج بعض ما هو منه عنه، وأن يكون عثمانُ والجماعةُ قد ألغت
ذلك وأبطلته، وأوضحت عن فساده، وقامت بالحق والواجب في حفظ
القرآن ورسمه ونقله وضبط قراءته الثابتة التي أُنزِل عليه بيانا قُطع به العُذرَ
وأوجب الحجّةَ ونفى عنه تحريف الزائغين وكيد المُبطلين، وأن يكون قد
كان في كثرة تلك المصاحف التي حرقها شيء كثير من هذا الباب، وإذا كان ذلك كذلك سقط ما تعلقتُم به، فكذلك لا ننكرُ أن يُحدث قوم في بعض الأعصار يقصدون إفساد نظم القرآن وتغييرَه وتحريفه وإكثار دعاوى الأباطيل فيه، وإن لم يخلهم الله تعالى فمن يَرُد قولهم ويكشفُ شُبههم ويبين باطلهم لأجل ضمان الله سبحانه لحفظه وجمعه على ما بيناه من قبل.
فإن قالوا: ما أراد بهذا القول إلا أن عثمان وشيعتَه يحرفون القرآن
ويغيرونه، قيل لهم: لا، بل أراد إلا من رد عليه عثمانُ في أمر القرآن وبَرِئ منه، وما أراد بذلك غيركم وغير أتباعكم في باب القرآن، وما تدعونه فيه من التغيير والنقصان والحروف والكلمات التي تروُونها وتدعون اعتماد السلفِ لإسقاطها، وأنتم أقربُ إلى ذلك وأحق به، وأشبهُ أن يكون الذي عناكم