تأليفِ اللهِ سبحانهُ لهُ وجمعِه إيَّاه في الرَّسمِ والتلاوةِ على حسب ما أنزَلَه عليه
أم بدليلٍ.
فإن قالوا: باضطرارٍ تعلمُ وجوبَ جمعهِ وتأليفهِ على وجه نزوله، بُهتوا.
وقيل لهم: نحن نعلمُ باضطرارٍ كذبَكُم في هذه الدعوى وأنّهُ لا يجبُ ما
وصفتم.
وإن قالوا: بدليلٍ علمنا ذلك، قيل لهم: وما هو، وقد كان يجبُ أن
تذكُروهُ معَ ذكرِ تنزيلِه إذ كانَ مجردُ التنزِيلِ لا يدلُّ على وجوبِ الترتيب.
فإن قالوا: الدليلُ على ذلكَ أن اللهَ جلَّ وعزَّ لم يُقدِّم ذكرَ بعضِه على
بعضٍ في التنزيلِ إلاّ لاستصلاحِ عبادِهِ بذلك، وعلمِه بكونه لُطفاً لهم وأدعى
الأمورَ إلى صلاحِ دينهم ودنياهُم، وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ وجبَ أيضاً أن
يكونَ أصلحُ الأمورِ لهُم بتقديمِ ما أنزِلَ أوّلاً في الرَّسمِ والتأليفِ والتَلاوةِ
على ما أُنزلَ أخيراً.
يُقال لهم: أنتم تعلمُون أنكم تخالفِون في وُجوب فعلِ اللُّطفِ والأصلحِ
على اللهِ سبحانه، وأنّنا وسائرَ أهلِ الحق ننكرُ أن يكونَ اللهُ سبحانَه أنزلَ كتابهُ أو فعلَ شيئاً أو يفعلُ شيئا في المستقبلِ لعلَّةٍ من العلَل وسببٍ من الأسباب هو الاستصلاحُ أو غيره، فلو ضايقناكم في هذا البابِ لاشتدَّ الأمرُ بكم وطالَ تعبُكم واحتجتُم إلى الخروجِ عنِ الكلامِ في نظمِ القرآنِ إلى الكلاَم في الأصلحِ والتعديلِ والتجويز، غيرَ أنّنا نسلِّم ذلكَ لكم قوداً ونظراً، ونُبينُ لكُم أنه لا يجبُ معَ ذلكَ ما ادّعيتُم.
ويقالُ لهم: قد سلَّمنا لكم أن اللهَ تعالى ما أنزلَه مقدَّماً ومؤخراً إلا لِعلْمِه
بتعلُقِ صلاحِ عبادِه بإنزالِه كذلِك، فلمَ زعمتُم أيضا أنه لا بُدَّ أن يُعلمَ أن