يضِلُّ عندَ إنزالِه الزائغون، ويتعلقُ به الملحِدونَ لولا النقصُ وإيثارُ العَنَت.
ومَن احتج بهذا الاحتِجاج من اليهودِ والنصارى في تخليطِ الرسول ِ في كتابنا
الذي ادّعى إنزَالهُ عليه من قِبَلِ اللهِ سبحانه، وأنَّه لمَّا لم يُفتتح رسمُه وتلاوتُه
بأول ما ادُّعيَ أنّ الله سبحانه أنزَله، عُلم أنه ليس مِن عندِ الله، كانَ الجوابُ
لهُ ما أجبنا الرّافضةَ به، فإنه بأسرِه كأسرِه لتوهُّمهِم.
ثم يقال لهم: لو كان ما قلتموه واجبا، لوجب الحكم بتخليط موسى
وعيسى في دعواهُما نزولَ التّوراةِ والإنجيلِ عليهِما، وتخليطِ قومِهما أيضا.
لأنّ النّصارى متفقونَ على أنّه ليسَ أوّلُ المرسومِ في الإنجيلِ هو أوّلُ ما أنزلَه
اللهُ تعالى مِنه، وأكثرُ الأناجيلِ التي معهم أوّلُها ليس من كلامِ اللهِ جملة.
وإنّما هيَ كلامُ عيسى، ووصفُ نفسِه وسيرَتِه، وذِكرُ تلامِذته ودعويه، وأولُ التوراة عند اليهودِ في التِّلاوة والرسمِ هو غيرُ ما أنزِل على موسى أولا
وخُوطب به، لأنّ أوّلَ ما أنزِل عليه وهوَ عندَهم في التوراة: (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)، وليسَ هذا أوّلُ التوراةِ فوجبَ بذلكَ
القَدحُ في كتابِهم، وإن لم يجِب هذا سقطَ ما تعلَّقوا به، وهم أولُ من سبقَ
إلى الاحتجاجِ في الطَعن على القرآن بهذا الضرب، فظن بعضُ الرافضة ِأنه
حجّة فيما قالَ أو شُبهة ينالُ بها باطلا وأنى لهُم بذلك.