موسى وعِظَمِ قدرهِ وجلالةِ محَلِّه، وأنا منكر لبنُوة محمدٍ صلى الله عليهِ وما
تدعيه من شرَف موضعه، وكذلك سبيلُ عامتكم في الاغترارِ بكم إذا قُلتم
عند ضيق الخِناقِ وخلق البِطان: قد أقررتم لنا بفضلِ علي وإمامتِه، وأنكرنا
نحنُ فضلَ أبي بكرٍ وعمرَ وبرئنا منهما وجَحَدنا إمامَتهما وإسلامَهما، ونحن
نعوذُ بالله من التعلُّق بمثل هذهِ الأباطيل والتعاليل.
واعلموا رحَمكم الله أن أهلَ التفسيرِ قد فسَّروا هذهِ الآية، وذكروا فلانا
هذا الذي جُعلت الكِنايةُ عن ذكرِه عامةً متناوِلةً لجميعِ من أطِيع في معصية
اللهِ بما يُزيل الريب والشك، فقال عبدُ اللهِ بنُ العباسِ: إن سببَ هذه الآية ِ أن عُقبة بنَ أبي معيطٍ صنع طعاماً، ودعا إليه أشرافَ أهلِ مكة وكان النبي صلى اللهُ عليهِ فيهم فامتنع من أن يطْعَمَ أو يشهدَ عقبة بشهادةِ الحق ففعل، فأتاه أبي بنُ خلَف الجُمَحيُّ، وكان خليلَه وصفتهُ فقال له: أصَبَأت، فقال: لا، ولكن دخلَ عليَّ رجل من قريشٍ فاستحييتُ أن يَخرجَ من بيتي ولم يَطْعم، فقال: ما كنتُ لأرضى حتى تبصُق في وجهه وتفعلَ وتفعل، ففعل عقبةُ
ذلك، فأنزل اللهُ سبحانهُ هذهِ الآية عامةً في الظالمين بمثل ذلكَ الظلم، وفي
جميع من أطِيع في معصيةِ الله، وسببُ نزولِها هذان الرجلان، هذا مما عليه
جماعة أهلِ التفسير، وإن اختلفوا في لفظ قضَتهما وسياقِهما، فالعدولُ
بها إلى أبي بكرٍ وعمرَ من القِحَةِ والغثاثة، وادعاءِ إبطالِ الخِطاب بالكناية
ونقصانِ اسمِ الزجل مِن كتاب اللهِ وتغييره جهل وفرطُ غباوة، ولولا تعلّقُهم
بمثل هذا وخوفُ ظن الجُهَّال لصحته وخشيةُ اغترارهم به لكان من الواجبِ
تركُه وتنزيهُ الكتابِ عن ذكرِه والحشو به. اهـ.