فأما وجهُ جوازِ القراءةِ بالجزمِ وحذفِ الواوِ وهيَ الأكثرُ والموافِقةُ لخط
المصحف، فهو أنه عطف بـ أكنُ على موضعِ الفاءِ من فأصدق، فيجعلُ
حكمهُما مردوداً إلى ما يجبُ لأصدق من الإعراب لو لم تَدخِلِ الفاء في
الكلام، فلما دخلَت الفاءُ عمِلت في نصبِ أصدق، وبقيت وأكن على
حكمها قبلَ دخول الفاء، لأنها عَطف على الفعلِ المجزوم.
وأمّا جوازُ القِراءةِ بالنصب، وإثباتِ الواوِ فهو بين ظاهر، لأنه عطف
على الفعلِ المنصوبِ الذي هو التصدق، وموضعهُ نصب، وقد قالَ أهلُ
العِلمِ بالعربية: إن القراءةَ بإثباتِ الواوِ لا تخالفُ خط المصحف، قالوا:
لأن الواوَ إنَّما حُذفت من الكتابِ اختصاراً، وحكوا: أن في بعِض المصاحِفِ: ﴿ (فَقُلاَ) لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾، قاف، لام، ألِف، بغيرِ واو، وقالُوا: وهذا
لا يكونُ وإن أثبِتَ كذلكَ وحذفت الواوُ من فقولا إلا على أن يُنطقَ بالواو.
وإن كانَت محذوفة، وإن حُذفت من الكتابِ على وجهِ الاختصار، وهذا
أيضا ليس ببعيد، ويجبُ أن يكونوا إنما أثبتوا الواوَ في كل موضعٍ ذكرَ فيه
أكون، لأنه لا يجوزُ أن يُقرأ إلا بالنّصبِ وإثباتِ الواو، وأثبِتَ في هذا
الموضع أكنُ بحذفِ الواو، وخُص بذلكَ لأجلِ جوازِ قراءَته مجزوما
ومنصوبَاً، فأثبِتَ على أحدِ الوجهينِ الجائزينِ وهو الأخْصرُ لحذف الواو.
وإن كانت الحجَّة ُ قائمةً لجوازِ قراءتهِ بالئصبِ وإثباتِ الواو لا يخالفُ خط
المصحفِ الذي حُذف منه الواو، وعلى سبيل الاختصار، وإن لم تكُن
القصة كذلك، وقد ذكرنا وجهَ جوازِ النصبِ وقيامَ الحجّةِ به وشهرَته وثبوته
عن السلف، وأخذِهم وكثير مِن الخلفِ به.
وإذا كانَ ذلكَ كذلكَ صحَّ ما قلناه، وبطلَ قولُ من منعَ جوازَ قراءةِ هذا
الحرفِ بغيرِ الجزم، وبطلان قول من ادّعى كونَ الجزم في القراءةِ ملحونا.