يريد: يمينُ اللهِ لازمة لي لا أبرحَ قاعداً، فحُذفَ على وجهِ الاختصار.
وهذا أكثرُ من أن يتتبعَ فمن ادّعى الفسادَ والتخليطَ بمثلِ هذا فقد جَهلِ
وأبعد.
قالوا: ومما يدلُّ أيضا على نقصانِ القرآنِ وتغييرِ نظمهِ أننا وجَدنا في
مصحفِ عثمانَ ما ليسَ بملائمٍ ولا متناسبٍ من الكلام، واللهُ يَجل عن إنزالِ
كلامهِ على هذا الوجهِ من الفسادِ والنقصان.
قالوا فمن هذا قولهُ تعالى: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
قالوا: فأيُّ مناسبةٍ بينَ جعلهِ البيتَ الحرامَ قياما للناسِ وبينَ قولهِ:
(لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
وهل كانَ أن لو لم يجعلِ البيتَ قياما للناس أن لا يعلموا أن اللهَ بكلِ شيءٍ
عليم، وإذا كان بكل شيءٍ عليم جعلَ ذلكَ أو لم يجعله، فما معنى هذا
الكلام، وما معنى جعلِه البيتَ الحرامَ والشهرَ الحرامَ قياما للناس.
فيقالُ لهم: ليسَ الأمرُ في هذا على ما ظننتُم، وذلكَ أن العربَ كانت
في جاهليتها تَشُن الغارات، وتسفِكُ الدماءَ الحرام، وتأخذُ الأموالَ بغيرِ
الحق وتخيفُ السبيلَ وتطلبُ الثأرَ فيُقتلُ بالمقتولِ قاتلهُ وغيرُ قاتلة.
وبالواحدِ الجماعةُ ويُقتلُ القاتلُ وجارهُ ومن في ذمامه فجعلَ اللهُ الكعبةَ البيتَ
الحرامَ وما حولَه والشهرَ الحرامَ قواما للناسِ أي أمناً لهم، لأن الخائفَ
منهم كان إذا لجأ إلى البيتِ حُقنَ دمه، وسلمتْ نفسُه وزال خوفه، قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ).


الصفحة التالية
Icon