ونقصانُ ما لا يتم الفائدة، وينتظمُ الكلامُ ومعناهُ الآية، فوجبَ أن يكونَ ما
هذه صِفتهُ فليسَ من عندِ الله.
يقالُ لهم: ليس الأمرُ في هذا على ما قدرتم، لأن الله تعالى أراد أن
تلكَ الأكواب التي هي كيزان لا عُرى لها في بياض الفضةِ وصفء القواريرِ
على مذهبِ النسبة، فكأنه قال: هي أكوابٌ قواريرُ كأنها الفضةُ من بياضِها
فحذفَ كأنها أو مثلَ الفضة، أو تشبهُ الفضةَ لحصول العلمِ بذلك وعلمِ أهلِ
اللسانِ به، وهذا شبيهٌ بقوله: (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ)، و (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)، ولو قال: إنهن ياقوت ومرجان وبيض مكنون وحُذفت كأنهن، وهو يعني بذلك لكان صحيحا سائغا على طريقةِ
أهلِ اللسان، ولهذا استجازوا أن يقولوا: فلان درةٌ لا قيمةَ لها وجوهرةٌ
نفيسة، وهذه الجاريةُ لؤلؤةٌ وياقوتة، وهذا شرابٌ من نارٍ ومن نور، يريدون
بذلك أنه يشبه الجوهرةَ والياقوتة، وأن الشرابَ يشبهُ النورَ والنار، وإذا كان ذلك كذلك سقطَ ما تعلقوا به هم وإخوانهُم من الملحدين.
قالوا ومن هذا أيضا قولُه: (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ).
وقد عُلم أن الحجارةَ خلافَ الطين، فعُلمَ بذلك فسادُ هذا الكلام.
وأن اللهَ لم ينزله كذلك.
يقال لهم: هذا غلط لأن عبدَ اللهِ بنَ عباسٍ ذكر الذي أُرسلَ عليهم آجُر.
والآجرُ حجارةٌ من طين لأن أصله الطين، وسماه حجارةً لأنّه كان في صلابةِ
الحجارةِ وشدتها، وذلك صحيح غيرُ بعيد، بأن يكونَ اللهُ تعالى أمرَ الملائكةَ
أن تَرميهم بالآجرُ، وأن يكونَ هُو تعالى رماهُم بها، فخلقَ حركاتِ الآجرُ