ويحتمل أيضا أن يكون أراد بقوله: (وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)، أنهم
كانوا لا يستطيعون ذلك لتركه وإيثار ضده لا للعجز عنه، وأن يكون أراد
بقوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، أي ما لا تعجزُ عنه من تكليف
الطيران وتنقيط المصاحف مع العمى، والإخبار عن الغيوب، ونحوِ ذلك
وهذا ما لا تنافيَ فيه ولا تناقض، فبطل ما توهموه.
وقد قال كثير من الناس إن معنى قوله: (لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا)، أي أن
ذلك يثقلُ عليهم ويأبونه، ويكرهونَه كما يقولُ القائل: أنا أكلم زيداً وما
أستطيعُ كلامه والنظرَ إليه، أي: إن ذلك يثقل علي، لا يعني به نفيَ قُدرته
على خطابه، وكيفَ ينفيها وهو قد خاطبَه، ويحتمل أيضا أنهم كانوا يُمنعونَ
من سماع بعض ما يضرون به النبي - ﷺ - من أخباره وأحواله وعن أمته، ويُمنعون من ذلك ويُحال بينَهم وبينَه مع حرصهم عليه وطلَبهم له، وليس ذلك من باب تكاليفهم في شيء.
وأما قولهم: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا)، أي: لا يستطيعون معارضةَ القرآن والطعن عليه بوجه يوجبُ
فساده وتناقضَه، وكونه شعراً ومن أساطير الأولين، كما زعموا ذلك
وادعوه.
ويُحتملُ أن يكونَ أرادَ أنهم لا يستطيعون جعلكَ مجنونا كما ادعوا
ذلك عليك أو الكشف عن أنك ساحرٌ على ما ادعَوه وراقَبوه، وليس هذه
السبيل التي أمروا بها فيكون ذلك تناقضا على ما قدروه.
فأمَّا قوله تعالى: (لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ)، فلا تناقضَ بينَه
وبين قوله: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (٦٧).
لأنه عنى تعالى - وهو أعلمُ - لا خلةَ فيه تنفعُ وإن كانت هناك خُلةٌ لا تنفع،