فأمّا قولُه تعالى في قصةِ النتي صلّى اللهُ عليه وأمرِه له بأن يقول: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ)، فإنّه غيرُ مناقضِ
لإخبارِه عنه بأنّه يتلقى وخُبِّرِ عما كان ويكونُ وعن أمورِ السموات، لأن ذلك إنّما يعلمُه ويدركهُ بتوقيفِ جبريلَ له، وليسَ ذلكَ من الغيبِ في شيء، وإنما - العالمُ بالغيب من عَلمَه بغيرِ خبرٍ وتوقيف، وحجةِ ودليلِ وضرورةِ وطباع، وهو اللهُ تعالى.
ويُحتمل أيضًا أن يكون تأويلُ ذلك أنّني لا أعلمُ وقتَ مولي فأسكثرُ من
فعلِ الطاعاتِ والبِر، وهو وإن عَلم بعضَ الغيوبِ بالوحي إليه فغيرُ عالمٍ
بجميعها، ويجوزُ أيضًا أن يكونَ معنى الآية ِ إن أهلَ مكةَ لما قالوا للرسولِ
ألاَ يُخبرُكَ ربك بالبيعِ الرخيص فتشتريه فتربحَ فيه، ويُخبركَ بالأرضِ التي
تُريدُ "أنْ تجدبَ فترحلَ عنها إلى الخَصبة، فأنزل اللهُ قُل: (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ)، أي: لا أعلمُ هَذا ولا يجبُ أن
أعلَمَه، ولا يجبُ على اللهِ إعلامي إياه، لأن لهُ امتحانَ قلبي ونفسي بما
شاء.
فأما قولهُ في قصةِ إبراهيم: (يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ)، فإنّه ليسَ
بنقيضِ، لإخبارِه بأنه (لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)، مُنقاد، لأنّه أرادَ وهو أعلمُ
بقولهِ أي تكلمنا وتسألُنا في قومِ لوط، ولم يُرد أنَّه يناظِرُنا ويخاصِمُنا، ويرومُ
إبطالَ قولنا وإخبارنا وأمرنا وهذا كما يقولُه السيدُ منا لعبدِه، ومن يجبُ
عليه - طاعتهُ إذا سأله في الأمرِ: أنتَ تجادلني في هذا وتحاجني، أي: تلحُّ