فأمَّا قولُه: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)، فإنه غير منافٍ
لقوله: (مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ)، لأنه أحوال وتارات، فتارة منه
تُقدر بألفِ سنة، وتارة بخمسين ألفَ سنة، ويمكن أن يكونَ أرادَ أن الملكَ
يعرجُ من الأرضِ إلى حيثُ يخرجُ من السمواتِ ما مقدارهُ من سنّي غيرِه ألفَ
سنةٍ من أيامِ الدنيا، فلا تناقُضَ إذاً في هذا.
وأمَّا تولُه: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا)، لم يرد أنهُ جعلَها في
الكواكب، وإنَّما عنى وهو أعلم، وجعلَ القمرَ معَهُن نوراً فجعلَ فيهن مكاناً
معَهن.
نافا تو لُه: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا)، فليسَ بخبرٍ على أنها أحياء مكلفة، وإنما قَصْدهُ تعالى تعظيمُ
شأنِ حملِ الأمانة، وأن كل أحدٍ يضعفُ عنها، وإن عَظُمَ خَلقْه، ويضعفُ
عن أن يطيقها، قالوا: وذلك نحوَ قول العربِ عَرضْتُ الحملَ على البعيرِ
فأبى أن يحمله، أي أنه صغير لا يَقوى على الحمولةِ لصغره وضعفهِ.
وقيِلَ إنه أراد بذلك أنه تعالى عرضَها على أهل السمواتِ والأرضِ
والجبالِ فأبوا أن يحملوها لِثقلها، والقصورِ عن القيامِ بحقها، كما قال
(وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ)، يريدُ: أهلَ القرية، وأصحابَ العير، وقولهُ:
(وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ)، يعني: الكَفور بجهلهِ بحقِ اللهِ فيها، واستحقارهِ
لها فبطلَ ما قالوه أن تجيءَ السمواتُ والأرضُ ويعرضُ عليهن القيامَ بحقَ
اللهِ فيما فرضَه، والخروجَ من جميعهِ فأبينَ ذلكَ واعترفنَ بالعجزِ عنه فلا
إحالةَ في هذا ولا تناقضَ من كل وجه.
فأمَّا قولُه: (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ)، وأنَّه ليسَ بنقيضٍ لإخبارهِ أنه هُو وحَدَه كان الرسول، لأنه يمكن أن يكذبو لمَّا كذبوه صاروا