وقوله: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) أي غيرَ عارفٍ بشريعةٍ بعينها قامت بها
الحجة لحصولِ الفترةِ والذهابِ عن العلم، فذلك ذهابٌ عن أمرٍ من
الصواب، الواجبُ على من علمَه وقامت الحجَّة عليه به وإن لم يُكلّفه عليه
السلام مع الفترة، وليس كل ضلالٍ مذموما بنفس الاسم وبكونه ضلالاً.
وإنما المذمومُ من ذلك ما حظرَه الله ونهى عنه، ولذلك نقولُ قد ضلّ زيدٌ
عن الرأي، وذهبَ عليه رُشدَه وإن لم يُقصد بذلك ذمه، بل الإخبارُ عن
ذهابِه عمّا قصَده فقط، وربَّما كان قَصْدَه التذكير على المؤمنين.
فأمَّا قوله: (فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)، فليس فيه دلالةٌ على
أنّه كان من الغافلين عما فعله، بل لا ينكرُ عندنا أن يقعَ منه الذنبُ على وجه العمدِ وإن كان مغفوراً، ويمكنُ أن يكونَ وقع عن غفلةٍ وسهو، أعني القتلَ ولكن ليس حجة ذلك قوله: وأنا من الضالين بل شيء آخر إن دل على ذلك، وكل شيءٍ يُسمّى ضلالاً فإن هذا أصلَه وهو مأخوذ منه ومشبَّه به.
فأمَّا الإضلالُ فإنه غيرُ الضلالِ وهو متعلق بالمضل للضالِّ دون الضال
بقدرته، وإن قيل أحيانا زيد قد أضل نفسَه بكفره وخلافِه عن الحق، فعلى
وجه التشبيه بإضلال غيره له، والإضلالُ الحقيقي الذي هذه الأسماءُ اسمٌ له
قولُنا إغواءٌ وتزيينٌ للباطل وتقبيحُ الحق، إنما هو الحيلولة بين المرءِ وقلبِه
وإزاغةُ القلوب عن الحق، وخلقِ الباطل فيها الذي هو اعتقادُ غير الحق
وقولنا ختَم وطبعَ وغشاوة وصمٌ وعُميٌ وسدًّا إنَّما هو عبارة عن هذا
الاسم من المفعول في القلوب والمضاد لاعتقاد الحق والصواب، واللهُ هو
المنفردُ بخلقِ ذلك في قسمه لنا به، وعدلٌ عليه في حُكْمِه وقضائِه.
والمتفردُ بالقدرة على تقليبِ القلوب والحيلولةِ بينَ أصحابِها وبينها.
والقدرةِ على خلقِ ضد الحق فيها لا يُشرِكُه في القدرة على إغواء القلوب