الهداية والهدى والإضلال والضلالُ كافية، اذا كانت هذه الجملةُ ثابتةً
وجَب أن يُكشفَ بعد ذلك بأنه لا تناقضَ في إضافة إضلالِ كل ضال من
العُصاةِ بالكفر وغيره إلى نفسه، وبينَ إضافَتِه إلى الفراعنة والمردَةِ مرّة وإلى
الشياطين وإلى فرعونَ والسامريَ وكلّ داعٍ إلى ضلالةٍ وإنّ القرآنَ يشهدُ
بعضَه لبعض، ويصدق بعضَه بعضاً.
فنقول: إنَّ الهدايةَ التي أضافَها اللهُ تعالى إلى نفسِه وأخبرَ بها لا يُشرِكه
فيها ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا أحدٌ من خَلقهِ، وهي شرحُ الصدورِ وتطهيرُ القلوب، وخلقُ الإيمان والتصديقِ فيها وتسهيلِه عليها، وخلقُ الألطافِ الجامعةِ الدواعي والهِمم على فعله من القدرة على فِعله، والأسباب المسهّلة له، وغير ذلك ممّا لا يَقْدِرُ عليه أحد من خلقِه، فهذا الضربُ من الهدايةِ لم يُضفه اللهُ تعالى إلى الملائكةِ ولا إلى أنبيائِه ولا إلى أحدٍ من خلقه، إذ لم يكن ذلك من أفعالِهم ولا مما يدخلُ تحت قُدَرهم، وإنّما معنى الهداية التي
يضيفُها الله تعالى ورسولُه والمسلمون مرةَ إلى الأنبياءِ ومرةَ إلى الأئمة
والعلماء، إنّما هي الدعوةُ إلى الإيمان وشهادَةِ الحق والإرشاد إليها، بذكره
الأدلة والتنبيه على موضع الحجّة والتزيين لذلك والتقبيح لتركه، والتحذيرِ
والوعيد عن التخلف عنه وتجنبه، وكثرةُ الحثّ والحضّ على فعله، والإخبارُ
بما عليه من جزيل الثوابِ وبما في تركه من أليم العقاب، إلى غير ذلك.
وجملةُ هذه الهداية المضافة إلى غير الله من سائرِ أوليائه، إنما هي
معنى الدعوة إلى الإيمان والتزيين له والإرشاد إليه والتنبيه على مواضع
الهدايةِ عليه، والترغيب في فعله والتحذير من تركه، فأمَّا أن يكونَ لأحدِ
منهم سلطان على فعلٍ في القلوبِ وشرحِ الصدور وخلقِ القدر والألطاف
وتقليب القلوبِ والأبصار وصرفِها والحيلولة بين المرءِ وقلبِه، فإن ذلك غيرُ