فإن قالوا: أرادَ بقوله: (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)، أي: فاللهُ أمرَ بها
ودعا إليها ولم يرد أنّه خَلقَها.
قيل لهم: فكذلك أراد بقولهِ: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ)، أي:
من نفسك الأمرُ بها ودعاؤها إلى فعلِها، ولم يُردْ أنك تَخْلقها كما لم يرد
بإضافةِ الحسنةَ إلى نفسهِ تعالى بأنه خالق لها فإنما أضافَ السيئَة إلى رسوله
على وجهِ ما أضافَ الحسنةَ إلى نفسه، فإن لم يكن أرادَ بإحدى الإضافتين
الخلقَ منه، ولم يرده أيضاً بالأخرى، ولا جوابَ لهم عن هذا.
وقد أجمعَ أهلُ التأويلِ والعلمِ بالقرآن على أن المرادَ بذكر الحسنةِ
والسيئةِ في هذه الآية النّصرُ والغنيمةُ والانصراف والهزيمةُ وذهابُ المالِ
والكراع وغير ذلك من الأموال، وأنها منزَلة في شأن الحرب.
قال اللهُ سبحانَه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ (أي هزيمة) قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا (٧٢) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ (أي نصر من اللهِ) لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧٣) ﴾.
إلى قوله ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ (النصر) يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ (قال الله تعالى) قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨) ﴾.
يقولون ما أصابك من حسنةٍ فمن اللهِ على وجه الذم والتعيير لهم بهذا القول، فأمّا أن يكون عرضَ بذكر هذه الآية لأفعال العباد فليس بقولٍ لأحدٍ من أهل التأويل.
وقد قيل في تأويلُ قوله: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) أي: ما أصابَكم
من مصيبةٍ فمن أنفسِكم أي: مما اكتسبتم من الخلاف على رسولِ الله - ﷺ - في


الصفحة التالية
Icon