خلقناهما ونحنْ لا نريدُ إثابةَ "المنيبين الطائعين وعقوبةَ المجرمين العاصين
قال الله تعالى: (ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).
ويحتملُ أيضًا أن يكون أرادَ أنني ما خلقتُ ذلك وليس لي خلقُه
وإحداثُه وما خلقتُه إلا ولي ذلك وأنا مالك لذلك وفاعل لما لي فعله وعادل
به، وهو سبحانَه على ما أخبر به من صفةِ مُلْكه وقدرَته وتصرُّفه من حيثُ له
ذلك، لا معقبَ لحكمِه ولا اعتراضَ لمخلوق عليه، ولذلك قال: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ).
فأما تعلُّقُ الملحدة والقدرية بقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)، فإنه لا تعارض بينَه وبينَ قوله: (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ).
وقوله: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)، وذلك أنه أراد
تعالى بعضَ الإنسِ وبعضَ الجنِّ، وهم الذي قسمَهُم للجنة، وعُلمَ وقوعَ
العبادةِ منهم دونَ الكفَّار الذين قَسمَهُم للنار، وقد أجمعَ المسلمونَ على
خصوص الآية، لأنه لم يردْ بها الأطفالَ من الجنِّ والإنس ولا المجانين
المستنقصين ولعلهم مثل عدد العقلاء البالغين، فكذلك لم يردْ الكفار الذين
أخبرَ أنّ الضلالةَ حقت عليهم وأنّه خلقهم لناره.
فإن قالوا: ما أنكرتم أن يكون إنّما أرادَ بقوله: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) أي: سيذرأ لها في الميعاد خلقا من الجن والإنس.
قيل لهم: هذا صرفُ الكلام عن ظاهره يغير حجة، فإن ساغ لكم هذه
الدعوى ساغ لنا أن نقولَ إنّما أرادَ بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، أي: ما أخلُقهم في الآخرة إلا ليعبدون، وذلك يقع


الصفحة التالية
Icon