اعتقاد ذلك المذهب كلاما في القدر، وزالَ الطعنُ على القرآن والإسلام.
وهذا بيّن في إبطال جميع ما يحاولونه.
فتأملوا رحمكم الله فصولَ الأجوبة لهم على ما نزلناه وبيناه يتضح لكم
جهلهم وتعرفون حيرتَهم وتخليطهم وتعلُّقهم بالأباطيل والتعاليل، وأنهم
كحاطب ليلٍ وكالغريق بما يجد يتعلق وعلى ما وصفهم الله تعالى به من
قوله: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤).
لأن الأنعامَ ممنوعة من النظرِ والاستدلال والخلو من تصحيح النظر ولطيف الفكر إلى كشف الغامض وحل الملتبس.
والملحدةُ في تركِها النظرَ ومعرفةَ وجوهِ الخطاب وتصاريفَ الكلام.
ومعرفةَ ما يُرادُ به وعليه من مجملٍ ومفسر، وخاصٍ وعام، ومطلقٍ ومقيد.
وناسخٍ ومنسوخ، ومحكمٍ ومتشابه، ومستثنى في تصاريف الكلام، ومنقطعٍ
ومحذوفٍ ومختصر، وكنايةٍ وتصريحٍ وتأكيدٍ وتنبيه، وحقيقةٍ ومجاز، واستعارةٍ وتشبيه، وقصدٍ إلى ضرب مثلٍ وتشبيه، ومستعملٍ على سببٍ حادثٍ وأمرٍ حاصلٍ وجواب شامل، وشخصٍ مخصوصٍ وأمرٍ محصورٍ وعهدٍ متقدم، وعُرفٍ مستقر وعادة في الخطاب، وتعويلٍ على متقدم أو مؤخر من البيان، أو على العُرف وشاهدِ الحال، أو على إناطته وربطِه بدلائل العقول وقضاياها والردِّ إلى المستقر فيها، وبما جاء في الخطاب بلفظ المواجه الحاضر، والمراد به الغائب وبما جاء باللفظ الموضوع للغائب، والمراد به الحاضر، على ما بيناه من قبل، وربَّما ذكر من له الاسمُ فيه وأريدَ غيره وربَّما ذكر الغير وأريد هو، وربَّما وردَ اللفظُ المشتركُ بينَ أمورٍ مختلفةٍ والمرادُ أحدها، وإن كان الظاهر لا يُنبىءُ عنه فلذلك أمرَ الله سبحانه بالتدبر والاعتبار والاستبصار
وجعلَ أهلَ العلم درجات، وفضلهم على ذوي الجهل والنقص.