فهم إلى اليوم يتسوَّرن ويلْبِسون الأطواق والإسْوِرة والتيجان، ويبالَغُ في
ذلك ويتنوَّقُ فيه ويرصِّعُه، ولكن ذلك لعظمائها دون صغارها وسفاسفها.
وأهلُ الجنَّةِ في أجل رتبةٍ وأرفعَ منزلةٍ وأيسرهم نعيماً في الجنَّة، وإن لم يكن
في نعيمها يسيراً أعظم من سائرِ نعيم ملوك الدنيا، فزال ما قالوه.
فأمَّا تعلُّقهم ُ بقوله: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ).
وإن ذلك نقصٌ منه، لتعظيم شأن ما فيها لأجل أن السنْدس هو البزيون -
زعموا، والإستبراقُ غليظُ الديباج، فإنه لا تعلُّق فيه، لأنه إن كان السنْدس
هو البزيون، فإن لهم من الفرش ما هو على نمط البزيون وصفته، ومخالف
لجنسه في كَوْنه وهَيْئَته ولينه، ولعلمه أن يكونَ ألينَ من كل سُنْدسٍ من
مِرْعَزيِّ الأوبار وألينِ الأصواف، وما لا يقدر البشرُ أبدا على إيجاد مثله ولا
يَنْتهون إليه، فأمّا الإسْتَبرق فإنّه إن كان غليظَ الديباج فإنه من الحُسنِ
والهيئة، وجميل المنظر ولين الملمس، بحيث يقصُرُ عنه وصفُ الواصفين.
وليس كل الناس ترغب في ضعيفِ الديباج ورقيقِه، بل الدهماءُ منهم ترغبُ
في متينه وغليظِه، لأنه أجل ولذلك عظُمَ الروميّ والملكيّ على التستُريّ وما
جرى مجراه، فكيف بغليظه إذا كان بصفة ما قلناه؟! وكلُّ هذا تلاعب منهم
وتخالعٌ واستهواءٌ للعامة من أتباعهم، والأوغادِ من معظِّميهم وشيعتهم.
ومن أدل الأمور على ضيق الأمر بهم، وعدم المطاعن على شيءٍ من كتاب
الله.
فأمَّا تعلقهم بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا)، (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)،