وأمَّا تعلُّقهم بقوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).
وقوله: (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ).
وقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)، وقوله: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)، وقوله: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، فإنه لا تعلُقَ لهم في شيءٍ منه، ولا إحالةَ فيه بوجه.
وذلك أن قولَه: (لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا) أي: لو أنزلناه على جبلٍ
يعقله ويسمعه لانقضَّ وتصدَّع على ما هو عليه من عظمةٍ وصلابة، ولو كان
ممن يعقل على وجه التقدير، ويمكن أن يكون أراد أنّنا لو عقلنا الجبلَ
وأَسْمَعناه القرآن لانقضَّ وتصدَّعَ من خشية الله.
فأما ما أخبرَ به من سجود الشمسِ والقمرِ والجبالِ والشجر وغير ذلك.
وتسبيحِ هذه الأشياء فإنما أراد به - وهو أعلمُ - الإخبارَ عن ذُلِّها وتواضُعِها، والذلُّ والتواضعُ الحاصلُ فيها إنما هو فقرُها وحاجتُها إلى صانع يصنعُها.
ومُدَبر يدبرها ويقيمُ ذواتِها، ولولاه لم تكن، وكذلك قولُه: (يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) أي: أنّ فيه آثارُ الصنعةِ ودلائلُ الفاقةِ والحاجة، فسُميَ بذلك
هبوطا وخضوعا وسُجوداً وتسبيحا على هذا التأويل، ولم يُردْ السجودَ
بالجبهةِ والتسبيح الذي هو النطق، قال جرير: