رُؤيةَ الكافرين للعذاب وما يقع به النكال عبَّر عن رؤيتهم بذلك بغير اسم
النظر فقال: (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ)، أي: ترى العذابَ وما يقع به
وتتيقنه، وقول من قال: إن الظن لا يكون بالوجه باطل، لأنه إذا كان بمعنى
اليقين ورؤية البصر كان واقعا بالعين التي في الوجه.
قال الشاعر:
فقلت لهم ظنوا بألْفَيْ مُدَججٍ | سُراتُهُم في الفارسيِّ المُسرَّدِ |
وقد طعنوا أيضا في القرآن بقوله سبحانه: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)، قالوا: وهذا نقضٌ ظاهرٌ
وإبطالٌ للمعنى المقصودِ بالكلام، لأنه استثنى بقوله: (إِلَّا قَلِيلًا) بعضَ من
أخبر بفضله عليه وعصمته له التي لأجلها نَجى من سلِمَ من اتباع الشيطان.
وإذا جُعِل فضلُه عليهم هو المانعَ لهم من اتباع الشيطان، فكيف يتَبعه قليلٌ
ممن تفضل عليه ورحِمَه، وإن جاز أن يتَبع بعضُ مَن عليه فضْلُه ورحمتُه
للشيطان، فلِمَ لا يجوز اتباعُ جميع من تفضل عليه ورحمه الشيطان، وهذا
هو الإحالةُ والإفسادُ لمعنى الكلام، والإفسادُ لمعنى الكلام، وإثباتُ التفضل
والامتنان.
فيقال: الاستثناء في هذا الموضع بقوله: (إِلَّا قَلِيلًا) لم يرجع إلى
أقرب المذكور إليه في الآية، إنما رجَعَ إلى المذكور المتقدم قَبْلَ الذي يليه.
لأن الله سبحانه قال: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
ثم عقبه بقوله: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)