فتارة يقول: ((حصل كذا وكذا، فأنزل الله كذا))، وتارة يقول: ((سبب نزول الآية الفلانية كذا وكذا)) وتارة يقول: ((نزلت هذه الآية في كذا وكذا)) فهذه ثلاث صيغ.
أما قوله: ((سبب نزول الآية كذا)) فهي صريحة في أن هذا سبب النزول.
وأما قوله: ((كان كذا وكذا فأنزل الله)) فهي ظاهرة أيضاً- وليست بصريحة، ظاهرة في أن هذا سبب النزول؛ لأن حمل الفاء في مثل هذا التعبير على السببية أولي من حمله على العطف المجرد والترتيب، فيكون ظاهرها أن هذه الحادثة سبب النزول.
الثالث أن يقول ((نزلت هذه الآية في كذا)) فهذه فيها احتمال متساوي الطرفين، بين أن يكون المراد أن هذه الآية معناها كذا وكذا فيكون تفسيراً للمعنى، وبين أن يكون ذلك ذكرا لسبب النزول، فعلى الاحتمال الأول تكون ((في)) للظرفية، والظرف هنا معنوي، وعلى الاحتمال الثاني تكون ((في)) للسببية، أي بسبب كذا وكذا، و ((في)) معروف أنها تكون للسببية، ومثال ذلك: ((دخلت امرأة النار في هرة حبستها)) (١)، ((في)) بمعنى بسبب، وليس المعني أنها دخلت في جوفها.
والحاصل أن العبارات التي يعبر بها عن أسباب النزول تنقسم ثلاثة أقسام: صريحة، وظاهرة، ومحتملة، فالصيغة الصريحة أن يقول: ((سبب نزول الآية كذا وكذا)) والظاهرة ((كان كذا فنزلت)) والمحتملة: ((نزلت في كذا)).
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: وقولهم نزلت هذه الآية في كذا
_________
(١) رواه البخاري، كتاب المساقاةباب فضل سقي الماء (٢٣٦٥)، ومسلم، كتاب التوبة باب في سعة الله تعالى وأنها سبقت غضبه (٢٦١٩).


الصفحة التالية
Icon