بالثبات عليها- الَّذِي خَلَقَكُمْ صفة جرت للتعظيم والتعليل- والخلق إيجاد الشيء على غير مثال سبق- وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يتناول كل ما تقدم الإنسان- والجملة خرجت مخرج المقرر عندهم لاعترافهم به قال الله تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ- او لتمكنهم من العلم بأدنى تأمل لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) حال من فاعل اعبدوا اى راجين الوقاية من عذاب الله- وحكم الله من ورائكم يفعل ما يشاء فان الايمان يقتضى الخوف والرجاء او راجين ان تدخلوا في زمرة المتقين على ان التقوى هو التنزه عن المحرمات المستلزم لاتيان الواجبات بل التبرؤ عن كل شىء سوى الله تعالى- او من مفعول خلقكم يعنى مرجوا منكم التقوى اى في سورة من يرجى منه نظرا الى كثرة الدواعي اليه- وقيل تعليل اى لكى تتقوا- قال البيضاوي وهو ضعيف لم يثبت في اللغة- قال سيبويه- لعلّ وعسى حرفا ترج- وهى من الله تعالى واجب- قلت ان كان كذلك لزم وجود التقوى من الناس «١» كلهم وليس كذلك اللهم الا ان يقال المراد خلقكم واجبا صدور التقوى منكم ولو من بعضكم- وتعليل العبادة بالنعم السابقة تدل على ان الثواب فضل من الله تعالى غير مستحق بالعبادة فانه كالاجير استوفى اجره قبل عمله وعلى ان الطريق الى معرفته تعالى النظر فى صنعه يعنى الى معرفة صفاته- واما معرفة ذاته فامر وهبى-.
الَّذِي جَعَلَ اى صيّر لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً اى بساطا ذلولا يمكن عليها القرار صفة ثانية او مدح منصوب او مرفوع او مبتدأ خبره فلا تجعلوا- وَالسَّماءَ اسم جنس يقع على الواحد والكثير- بِناءً مصدر سمى به المبنى يعنى قبّة مضروبة عليكم- وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فان المطر ينزل من السماء الى السحاب ومنه الى الأرض عطف على جعل- فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ خروج الثمار بقدرة الله تعالى لكن جعل الماء الممزوج بالتراب سببا في إخراجها ظاهرا عادة- ومن للتبعيض او التبيين- ورزقا مفعول بمعنى المرزوق ولكم صفة له- او رزقا مصدر للتعليل ولكم مفعوله اى رزقا إياكم- فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً اى أمثالا تعبدونهم كعبادة الله- او أضدادا والله برىء من المثل والضد- والجملة متعلق باعبدوا- نهى معطوف عليه او نفى منصوب بإضمار أن جواب له- او منصوب بلعل كما في قوله تعالى-

(١) لا يخفى ان مدلول لعل على تقدير كونه للوجوب لزوم وجود التقوى من كلهم فلا محذور فيه لامران فليفهم قلت العبادة عبارة عن إتيان امور تدل على الخضوع من الواجبات والمندوبات والتقوى عبارة عن الاجتناب عما نهى الله وكلا الامرين متفاوتان كما يدل عليه ترتيب التقوى على العبادة ولا لزوم بينهما فان من الناس من يأتى بالعبادات ويفرط فيها حتى يبلغ الزهد ولا ينتهى انتهاء كليا عما نهى عنه قال الله تعالى وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها- فلزوم وجود التقوى من العابدين كلهم ايضا ممنوع الا ترى الى بعض الزهاد من الجهال يعملون الرياضات الشاقة والعبادات ويتركون الجمع والجماعات- منه رحمه الله


الصفحة التالية
Icon