والاماتة المشهودتين في عالم الإمكان- ونمرود لعله كان دهريا غبيا يزعم الحوادث بالاتفاق كما يزعمه الدهريون- ويزعم ان ذوى العقول من الممكنات خالقة لافعالها كما يزعمه المعتزلة والروافض- فدعا برجلين فقتل أحدهما واستحيى الاخر وقالَ نمرود أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قرا اهل المدينة انا بإثبات الالف والمد في الوصل إذا تلقتها همزة متحركة- والباقون بحذف الالف ووقفوا جميعا بالألف فلما راى ابراهيم غباوته عن الاستدلال بالحوادث المعتادة قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ يعنى وهو قادر على ان يأتيها من المغرب او كيف يشاء فَأْتِ بِها أنت مِنَ الْمَغْرِبِ ان كنت تزعم انك قادر على ما تفعل وتنكر الواجب فان الممكنات كلها سواء في الخلق فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ اى تحير ودهش وانقطعت حجته- لما راى انه لو سال ابراهيم ربه فربه يأتى بالشمس من المغرب كما جعل النار عليه بردا وسلاما وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨) وان يروا كلّ اية حتّى يروا العذاب الأليم.
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ يعنى بيت المقدس او دير هرقل كما سنذكر القصة والكاف زائدة والموصول معطوف على الذي حاج- والذي مر هو آدميا وهو الخضر عليه السلام على ما رواه محمد بن إسحاق- واخرج الحاكم عن علىّ وإسحاق بن بشير عن عبد الله بن سلام وابن عباس انه عزيز- وقال مجاهد هو كافر شك في البعث نظرا الى نظمه مع نمرود وهذا ليس بشىء فان الكافر لا يستحق تلك الكرامة ولو قيل انه أمن حين راى الاحياء بعد الاماتة قلنا هذا ليس إيمانا بالغيب فلا يعتد به ونظم القصتين معا انما هو لاشتراكهما في التعجيب بلا دعاء الربوبية فمن يرى عجزه في كل حين وزمان اعجب من الحيوة بعد الممات بإذن الله تعالى فان ذلك شائع كما ترى تصير النطفة رجلا والبذر شجرا ونحو ذلك وَهِيَ خاوِيَةٌ خالية ساقطة حيطانها عَلى عُرُوشِها يعنى سقطت سقوفها ثم وقعت حيطانها عليها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ القرية اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها قال ذلك على الطلب والتمني في إحيائها مع استبعادها عادة وهضما لنفسه عن مرتبة الاستجابة- وكان القصة على ما روى محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه ان الله تعالى بعث ارميا الى ناشية بن اموص ملك بنى إسرائيل ليسدد امره وكان ملكا صالحا