قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي
- وقال الامام ابو سليمان الخطانى ليس في الحديث اعتراف بالشك على نفسه ولا على ابراهيم بل فيه نفى الشك عنهما يعنى إذا لم أشك انا فابراهيم اولى بان لا يشك وانما قال النبي ﷺ ذلك تواضعا وهضما لنفسه وكذلك قوله لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لاجبت الداعي وفيه اعلام بان المسألة من ابراهيم لم تعرض من جهة الشك لكن لاجل طلب زيادة العلم بالعيان فان العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال قال رسول الله ﷺ ليس الخبر كالمعائنة ان الله اخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح فانكسرت رواه احمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عباس وروى الطبراني عن انس والخطيب عن ابى هريرة بسند حسن وليس فيه ذكر موسى- وقيل لما نزلت هذه الاية قال قوم شك ابراهيم ولم يشك نبينا ﷺ فقال رسول الله ﷺ تواضعا وتقديما لابراهيم على نفسه- قلت هذا القول وهذا التأويل في الحديث ضعيف لان نفى الشك عن ابراهيم ثبت بنفس كلام الله تعالى حيث قال بلى ولكن ليطمئن قلبى فكيف يقال شك ابراهيم وايّ حاجة الى دفع ذلك التوهم- والتحقيق عندى ما قالت الصوفية العلية ان لاهل الله تعالى في السلوك مقامان الاول مقام العروج وهو الانخلاع عن الصفات البشرية والتلبس بالصفات الملكية والصفات القدسية ويحكى عن هذا المقام قوله ﷺ حين نهى عن صوم الوصال لست كهيئتكم أبيت عند ربى يطعمنى ويسقينى ويقال فى اصطلاحهم بهذا السير السير الى الله والسير في الله- والثاني مقام النزول وهو التلبس بالصفات البشرية ثانيا بعد الانخلاع التام وهذا المقام مقام التكميل ودعوة الخلق الى الله تعالى ويقال لهذا السير السير من الله بالله والحكمة في النزول انه لا بد بين المفيض والمستفيض من المناسبة حتى يتيسر به الاستفاضة على طريقة الصبغ والانصباغ ولاجل هذا أرسل الرسل من البشر لدعوة البشر ولم يتصور للعوام أخذ الفيض من الله تعالى لفقد المناسبة وهو تعالى غنى عن العالمين ولا من الملائكة قال الله تعالى قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا
وقال وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ وكلّما كان لرجل نزوله أتم كان دعوته أشمل وأكمل كما ان الرامي إذا كان في أعلى مكان من المرمى اليه