تاويل اخر هل اتى على الإنسان اى على الصوفي حين من الدهر لم يكن لا شيئا مذكورا بعد ما كان مذكورا بالانسانية وغيرها من الصفات وذلك حين الاستهلاك والفناء الأتم بحيث لا يبقى فى علمه شيئا مذكورا قال المجدد رض نعم رب قد اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا لا عينا ولا اثرا ولا شهودا ولا وجودا ثم يصير بعد ذلك ان شئت حيا بحياتك وباقيا ببقائك ومتخلقا باخلاقك بل صار باقيا بك وبفضلك فى عين الفناء وما ينافيك فى عين البقاء قلت وقول المجدد رض ثم يصير بعد ذلك إلخ كانه تفسير لقوله تعالى فمن ابتدائية والدهر يعد من اسماء الله تعالى الحسنى كذا فى القاموس وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله - ﷺ - قال الله تعالى يوذينى ابن آدم يسب الدهر وانا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار.
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ اى ذريته ان كان المراد بالإنسان الاول آدم عليه السلام والا فالمراد فيهما الجنس مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ ق جمع شئيج او شيج من الشجب الشيء إذا خلطته وصف النطفة بالجمع لان المراد به مجموع منى الرجل والمرأة وكل منها مختلفة الاجزاء والأوصاف فى الرقة والقوام والخواص وقيل أمشاج مفرد بمعنى مختلطة يختلط فيه منى الرجل والمرأة فهو حينئذ على وزن أعشار يقال برمة أعشار بمعنى يحمله عشرة يقال يمان كل يومين اختلطا فهو أمشاج وقال قتادة معناه أطوار أي ذات أطوار فان النطفة تصير علقة ثم مضغة اى تمام الخلق نَبْتَلِيهِ حال من الإنسان ذكر الابتلاء وأراد به نقله من حال الى حال مجازا او حال مقدرة اى مقدرين ابتلائه فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً ج لتمكن من استماع الدلائل ومشاهدة الآيات فهو كالمسبب للابتلاء ولذا عطف على ما قيد به.
إِنَّا هَدَيْناهُ اى بيناه اى الإنسان السَّبِيلَ الى الله والى مرضياته وجنته بنصب الدلائل وبعث الرسل وإنزال الكتب والمراد بالهداية هاهنا اراءة الطريق دون إيصال بخلاف قوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً حالان من الهاء اى هديناه السبيل مقدرين منه أحد الامرين امر الشكر على الهداية وقبولها او الكفر والإنكار وقيل حال من السبيل يعنى هديناه السبيل حال كون السبيل سبيل الشكر او الكفر ان وصف السبيل بالشكر والكفر مجازا والترديد انما هو فى حالتى السبيل من الشكر والكفران دون الاراءة تعلقت يقسمى السبيل وحاليته معافلا يجوز يقال ان هذا التأويل غير مستحسن فان اراءة طريق الحق حقا وطريق الباطل باطلا مستلزم أحدهما