فالعدد قد ارتفع والخلود قد حصل قلت هذه خبر والخبر لا يحتمل النسخ وقال الحسن فى تأويلها ان الله لم يجعل لاهل النار مدة بل قال لابثين فيها أحقابا فو الله ما هو الا انه إذا مضى حقب دخل حقب اخر ثم اخرى الى الابد فليس للاحقاب مدة الا الخلود ومن هاهنا قال البيضاوي والمراد دهورا متتابعة وليس فيه دلالة على خروجهم منها وان كان فمن قبيل المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على الخلود الكفار قلنا نعم المنطوق لا يزاحمه المفهوم ومن ثم قلنا بخلود الكفار فى النار وعليه انعقد الإجماع ووجب تأويل هذه الاية وتأويله بالاحقاب الغير المتناهية والدهور المتتابعة ضعيف إذ لا يظهر حينئذ فائدة لتقييد بالاحقاب الرهم خلاف المراد كيف والاحقاب بالنسبة الى غير المتناهي من الزمان كالايام بالنسبة إليها ولا شك انه لو قيل لابثين فيها أياما لا يتبادر الذهن منه الى الخلود بل الى الخروج فكذا هنا وقيل أحقابا جمع حقب من حقب الرجل إذا اخطأ الرزق وحقب العالم إذا قل مطره وخيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين اى ممنوعين عنهم الرزق كلمه وقوله لا يذوقون تفسير له قلت وهذا التأويل يأبى عنه الآثار المروية عن على رض وغيره المذكورة مع انها فى حكم المرفوع لعدم مساغ الرأي فيه وقول ان قوله تعالى.
لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً حالا من المستكن فى لابثين او صفة لاحقابا او أحقابا ظرف بلا يذوقون فالمعنى انهم يلبثون أحقابا على هذه الصفة غير ذائقين الا حميما وغساقا فالاحقاب زمان بعدم الذوق لا المطلق اللبث فلعلهم يبدلون بعد ذلك جنسا اخر من العذاب أشد من ذلك والظاهر انه حال مرادف بقوله تعالى لابثين والتأويل عندى ان لفظ الطاغين ليس على عموم اتفاقا فانتم تحملونه على الكفار دون اهل الهواء فيلزمكم التكلفات فى هذا الاية ليندفع المعارضة بينها وبين المحكمات ونحن نحمل الطاغين هاهنا على اهل الهواء دون الكفار فلا يلزمنا ما يلزمكم ويويد ما قلت ما اخرج البزار عن ابن عمر عن النبي - ﷺ - قال والله لا يخرج أحد من النار حتى يمكث فيه أحقابا والحقب بضع وثمانون سنة وكل سنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون فان هذا الحديث يدل على الخروج بعد تلك المدة والله تعالى اعلم قرأ الحمزة والكسائي وحفص غساقا بالتشديد كالخباز والباقون بالتخفيف كالعذاب اما الحميم فماء فى غاية الحرارة وفى الحديث يرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فاذا دنت وجوههم شوت وجوههم فاذا دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم الحديث


الصفحة التالية
Icon