وتأكلانه- الا نبأتكما بتأويله بقدره ولونه والوقت الّذي يصل اليكما قبل ان يصل اليكما- واىّ طعام أكلتم ومتى أكلتم- وهذا معجزة مثل معجزة عيسى عليه السلام حيث قال وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ- فقالا هذا فعل العرافين والكهنة فمن اين لك هذا العلم فقال ما انا بكاهن وانما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي قرا نافع وابو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها- يعنى علّمنى ربى بالوحى القطعي المنزل من السماء- وقيل معنى الاية لا يأتيكما طعام يعنى من منازلكما الا نبأتكما بتأويل ما قصصتما علىّ من الرؤيا ذلكما اى التأويل مما علمنى ربى بالإلهام والوحى- وليس من قبيل التكهن والتنجم قال البيضاوي أراد يوسف عليه السلام ان يدعوهما الى التوحيد ويرشدهما الطريق القويم قبل ان يجيب ما سالا عنه- كما هو طريقة الأنبياء والنازلين منازلهم من العلماء فى الهداية والإرشاد- فقدّم ما يكون معجزة له من الاخبار بالغيب ليدلهما على صدقه فى الدعوة والتعبير إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) تعليل لما قبله اى علّمنى ذلك لانى تركت ملة المبطلين وتكرار كلمة هم للدلالة على اختصاصهم وتأكيد كفرهم بالاخرة.
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وجاز ان يكون قوله إِنِّي تَرَكْتُ الى آخره كلاما مبتدا- لتمهيد الدعوة واظهار انه من بيت النبوة ليقوى رغبتهما فى الاستماع اليه والوثوق عليه- ومن هاهنا يظهران العالم إذا جهلت منزلته فى العلم فاراد ان ينشر علمه جاز له ان بصف نفسه حتّى يعرف الناس قدره فيقتبسون منه- وليس هذا من باب تزكية النفس انما الأعمال بالنيات والأنبياء كانوا مأمورين بذلك- قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ- فويل للذين يطعنون على اولياء الله تعالى (مثل المجدد للالف الثاني رضى الله عنه حيث ذكروا ترقياتهم ومدارج قربهم من الله تعالى وما أفضل الله تعالى عليهم) حسدا وجهلا ما كانَ لَنا معشر الأنبياء اى ما صح ولا أمكن لنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ اىّ شيء كان فان الله تعالى قد خلقنا على جبلة التوحيد وعصمنا من الشرك ذلِكَ التوحيد والعلم مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنا بالوحى وَعَلَى سائر النَّاسِ ببعثتنا لارشادهم وتثبيتهم عليه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ المبعوث إليهم لا يَشْكُرُونَ (٣٨) على هذه النعمة