فرجع اخوة يوسف غير كبيرهم الى أبيهم وذكروا لابيهم ما قال كبيرهم.
قالَ يعقوب ليس الأمر كما قلتم بَلْ سَوَّلَتْ اى زيّنت وسهلت لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أردتموه فقدرتموه فما أدرى الملك ان السارق يؤخذ بسرقته انما أردتم فى حمل أخيكم الى مصر طلب نفع عاجل فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فامرى صبر جميل او فصبرى صبر جميل لا شكوى فيه الى الناس عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً يعنى يوسف وبنيامين وأخاهم المقيم بمصر إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بحالي وحالهم الْحَكِيمُ (٨٣) فى تدبير خلقه الّذي لم يبتلينى الا لحكمته- ولما بلغه خبر بنيامين تتام حزنه وبلغ جهده وهيج حزنه على يوسف اعرض.
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ كراهة لما صادف منهم ذلك وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ اى يا أسفي تعال فهذا او انك- والأسف أشد الحزن والحسرة- والالف بدل من ياء المتكلم- روى عبد الرزاق وابن جرير موقوفا عن سعيد بن جبير انه قال لم يعط امة من الأمم إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ عند المصيبة الا امة محمّد صلى الله عليه وسلم- الا ترى الى يعقوب حين أصابه ما أصاب لم يسترجع وقال يا أسفى- وكذا روى البيهقي فى شعب الايمان وقال وقد رفع الضعفاء هذا الحديث الى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم- وأخرجه الثعلبي من طريق سعيد بن جبير مرفوعا الا قوله الا ترى الى يعقوب وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ لكثرة بكائه مِنَ الْحُزْنِ محق سوادهما بكثرة البكاء فعمى بصره- قال مقاتل لم يبصر بهما ست سنين وقيل ضعف بصره فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤) الكظم مخرج النفس يقال أخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت فالكظيم محتبس النفس يعنى الساكت فهو بمعنى الفاعل والمعنى كاظم غيظه وحزنه فمسك عليه لا يبث حزنه فى الناس ومنه كظم البعير إذا ترك الاجترار وحبس ما أكل فى بطنه وكظم السقاء شده بعد ملئه وقد يطلق الكظيم على المملو نظرا الى ان المملو يشد فمه ويحبس ما فيه- فهو على هذا جاز ان يكون بمعنى المفعول اى المكظوم المملو من الغيظ- قال قتادة معناه تردد حزنه فى جوفه ولم يقل الا خيرا- قال الحسن كان بين خروج يوسف من حجر أبيه الى يوم التلقي معه ثمانون عاما لا تجف عينا يعقوب وما على وجه الأرض يومئذ أكرم على الله منه- وهاهنا إشكال قوى على قاعدة التصوف- حيث قالوا ان الصوفي بعد فناء قلبه لا يشتغل