الكلبي لمّا نزل على رسول الله ﷺ الوحى بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يرواح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه فبراوح «١» بين قدميه إذا قام على أحدهما مرة قام على الاخرى مرة) وكان يصلى الليل كله فانزل الله تعالى هذه الاية وامره ان يخفف على نفسه فقال.
ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) اى لتتعب في القاموس الشقاء الشدة والعسر وليد وقال الجوهري الشقاوة خلاف السعادة- وكما ان الشقاوة ضربان دنيويّة واخروية كذلك السعادة ثم السعادة الدنيوية ثلاثة اضرب نفسية وبدنية وخارجية- كذلك الشقاوة على هذه الأضرب- والمراد في هذه الاية الشقاوة الدنيوية البدنية- وهو التعب- وقال بعضهم قد يوضع الشقاء موضع التعب- وقال البيضاوي الشقاء شائع بمعنى التعب ومنه أشقى من رابض المهر وسيد القوم أشقاهم ولعله عدل اليه للاشعار بانه انزل عليه ليسعد- اخرج ابن مردوية عن ابن عباس ان النبي ﷺ كان أول ما انزل الله عليه الوحى يقوم على صدور قدميه إذا صلى- فانزل الله طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى واخرج عبد بن حميد عن الربع بن انس قال كان النبي ﷺ إذا صلّى فام على رجل ورفع اخرى فانزل الله طه ما أنزلنا عليك القران لتشقى- وقيل هذه الاية رد لقول الكفار وتكذيب لهم حين راوا اجتهاد رسول الله ﷺ في العبادة فقالوا ما انزل القرآن عليك يا محمد الا لشقائك فنزلت هذه الاية وجاز ان يكون مراد الكفار ونسبة الشقاوة الى اسعد الناس نظرا منهم انه ترك دين الآباء فشقى فرد الله عليهم قولهم وبين سعادته بما انزل عليه تذكرة ممن اتصف بصفات الكمال- يدل عليه ما اخرج ابن مردوية من طريق العوفى عن ابن عباس قال قالوا لقد شقى هذه الرجل بربه فنزلت ما أنزلنا عليك القران لتشقى- وجلا ان يكون سعنى الاية ما أنزلنا عليك القرءان لتتعب وتبخع نفسك لفرطتا سفك على كفر قومك إذ ليس عليك الّا تبليغهم- وجملة ما أنزلنا خبر طه ان جعلته مبتدأ على انه اوّل بالسورة او القران ولفظ القران فيها واقع موقع العائد- وجواب ان جعلته مقسما به- ومناد «٢» له ان جعلته منادى واستيناف ان كانت جملة فعلية او اسمية بإضمار مبتدأ او طائفة من الحروف محكية.
إِلَّا تَذْكِرَةً استثناء منقطع يعنى لكن تذكيرا- ولا يجوز ان يكون بدلا من محل تشقى لاختلاف الجنسين ولا مفعولا له لانزلنا لان الفعل الواحد لا يتعدى الى العلتين- وجاز ان يكون مستثنى مفرغا
(٢) هكذا في الأصل والصحيح منادى له ١٢ التفسير الدهلوي.