ولكنها كرامة وخيرة لهم ولو كان أيوب ليس من الله بهذه المنزلة الا انه أخ آخيتموه على وجه الصحبة لكان لا يحل بالحليم ان يعتزل أخاه عند البلاء ولا يعيّره بالمصيبة ولا يعيبد بما لا يعلم وهو مكروب حزين ولكنه يرحمه ويبكى معه ويستعفر له يحزن بحزنه ويدله على مراشد امره وليس بحكيم ورشيد من جهل هذا فالله ايها الكهول وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت ما يقطع السنتكم ويكسر قلوبكم الم تعلموا ان لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم وانهم لهم الفصحاء البلغاء النبلاء «١» الألباء العالمون بالله ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم واقشعرت جلودهم وانكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم إعظاما لله وإجلالا فاذا استقاموا من ذلك استبقوا الى الله بالأعمال الزاكية يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين وانهم الأبرار البراء ومع المقصرين المفرطين وانهم لاكياس أقوياء- فقال أيوب الله سبحانه يزرع الحكمة بالرحمة في قلب الصغير والكبير فمتى تنبت بالقلب يظهرها الله على اللسان وليست تكون الحكمة من قبل السن والشيبة ولا طول التجربة وإذا جعل الله العبد حكيما في الصبا لم يسقط منزلته عند الحكماء وهم يرون من الله نور الكرامة ثم اعرض عنهم أيوب واقبل على ربه مستغيثا به متضرعا اليه فقال ربّ لأىّ شيء خلقتنى ليتنى كرهتنى لم تخلقنى يا ليتنى قد عرفت الذنب الّذي إذ نبت والعمل الّذي عملت فصرفت وجهك الكريم عنى لو كنت إذا أذنبت ذنبا أمتني فالحقتنى بآبائى فالموت كان أجمل بي الم أكن للغريب دارا وللمسكين قرار او لليتيم وليا وللارملة قيما الهى انا عبدك ان أحسنت فالمن لك وان اسأت فبيدك عقوبتى جعلتنى للبلاء عرضا وللفتنة نصبا وقد وقع على بلاء لو سلطته على جبل ضعف عن حمله فكيف يحمل ضعفى وان قضائك هو الّذي أذلني وان سلطانك هو الّذي أسقمني وأنحل جسمى ولو ان

(١) النبلاء اى الأذكياء والنجباء ١٢. [.....]


الصفحة التالية
Icon