ولا شك فى انه إذا اقترن جماعة فى زمان فكبارهم تقترن فى صغرهم بكبار سبقوا وصغارهم تفترن فى كبرهم بصغار تلحقهم- فوضعوا لاطلاق القرن مدة فقيل أربعون او عشرة او عشرون او ثلاثون او خمسون او ستون او سبعون او تسعون او مائة او مائة وعشرون والاصحّ انها مائة سنة بقوله ﷺ لغلام عش قرنا فعاش مائة سنة والمعنى على هذا وأهلكنا اهل اعصار كثيرة كافرة بَيْنَ ذلِكَ اى بين ماد وثمود واصحاب الرّسّ وقوم موسى كَثِيراً صفة لقرون.
وَكُلًّا منصوب بفعل مضمر يدل عليه ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ والتنوين عوض من المضاف اليه تقديره وأنذرنا كل واحد من تلك القرون ضربنا له الأمثال اى بيّنّا له القصص العجيبة من القصص الأولين ليعتبروا بها وَكُلًّا اى كل واحد منهم تَبَّرْنا تَتْبِيراً اى أهلكنا إهلاكا لما لم يعتبروا بالأمثال وكذبوا المنذرين قال الأخفش معناه كسرناه تكسيرا قال الزجاج كل شىء كسرته وفتنه فقد تبّرته ومنه التبر لفتات الذهب والفضة.
وَلَقَدْ أَتَوْا جواب لقسم محذوف معطوف على ولقد اتينا موسى الكتاب والضمير راجع الى اهل مكة أسند فعل البعض الى الكل كما فى قوله فكذّبوه فعقروها يعنى والله لقد مرّ اهل مكة يعنى أكثرهم مرّوا مرامرا فى أسفارهم الى الشام عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ يعنى سدوم عظمى قريات قوم لوط أمطرت عليها الحجارة لما كانوا يعملون الخبائث إتيان الرجال فى ادبارهم قال البغوي قريات قوم لوط كانت خمسا فاهلك الله تعالى منها أربعا ونجت واحدة وهى صغيرة وكان أهلها لا يعملون الخبيث وكانت تلك القرى على طريق اهل مكة عند ممرهم الى الشام أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات وتقرير يعنى لقد كانوا يرونها فما لهم لم يعتبروا بها ولم يتذكروا بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً يعنى ليس عدم اتعاظهم لاجل عدم رؤيتهم بل لعمه فى قلوبهم لا يتوقعون نشورا ولا عاقبة او لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون علما فى الثواب او لا يخافونه على لغة تهامة..
وَإِذا رَأَوْكَ يعنى كفار قريش عطف على لا يرجون إِنْ يَتَّخِذُونَكَ اى ما يتخذونك إِلَّا هُزُواً استثناء مفرغ منصوب على انه مفعول ثان ليتخذونك مصدر بمعنى المفعول اى مهزوّا به قال البغوي نزلت فى ابى جهل وأصحابه مرّوا على رسول الله ﷺ فقالوا استهزاء أَهذَا يعنون محمدا ﷺ مبتدا خبره الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ اى بعثه الله رَسُولًا جملة أهذا معمول لفعل محذوف تقديره يقولون أهذا الّذى بعثه الله