ولنا ما غير طهور. فان قيل هذه الأحاديث متروكة بالإجماع حتى ان مالكا يقول ان الماء إذا تغير أحد أوصافه يتنجس بوقوع النجاسة فيه قلنا إذا تغير أحد أوصاف الماء فهو ليس بماء مطلق وكلامنا فى الماء المطلق. والجواب عن هذا الاحتجاج ان المراد بالماء هاهنا الماء المعهود يعنى الماء الكثير المستقر فى الحياض وفى بئر بضاعة ونحو ذلك حتى يندفع التعارض بين هذه الأحاديث وأحاديث اخر تدل على تنجس الماء بوقوع النجاسة فيه وان لم يتغير أحد أوصافه منها قوله ﷺ طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه ان يغسل سبع مرات أولهن بالتراب. رواه مسلم وابو داؤد ومنها قوله ﷺ لا يبولن أحدكم فى الماء الدائم الّذى لا يجرى ثم يتوضا منه متفق عليه وهذا لفظ البخاري ومنها قوله ﷺ إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده فى الإناء حتى يغسلها ثلاثا فان أحدكم لا يدرى اين باتت يده. رواه مالك والشافعي واحمد والبخاري ومسلم واصحاب السنن الاربعة عن ابى هريرة رض وقد روى نحو هذا الحديث عن رسول الله ﷺ ابن عمر رض وجابر رض وعائشة رض فحملنا أحاديث تنجس الماء على القليل وأحاديث عدم التنجس على الكثير فاختلف العلماء فى حد الكثير فقال الشافعي واحمد الماء إذا بلغ القلتين (وهى خمسمائة رطل بالبغدادي وبالمساجة ذراع وربع ذراع طولا
وعرضا وعمقا) فهو كثير لا يتنجس الا إذا تغير بالنجاسة طعمه او لونه او ريحه وما دونه قليل يتنجس. وقال ابو حنيفة ما لا يصل فيه النجاسة من جانب الى جانب اخر على اكبر رأى المبتلى به فكثير والا فقليل وقدّره بعض المتأخرين بعشر فى عشر وقيل خمسة عشر فى خمسة عشر وقيل اثنى عشر فى اثنى عشر وقيل ثمان فى ثمان وقيل سبع فى سبع بذراع الكرباس وهى سبع قبضات كل قبضة اربع أصابع والتقدير غير منقول عن ابى حنيفة ولا عن صاحبية. وجه قول ابى حنيفة ان التقدير لم يرد من جهة الشارع وحديث القلتين ضعيف فيجب تفويضه الى رأى المبتلى به. واحتج الشافعي واحمد بحديث القلتين والحق انه حديث صحيح رواه الشافعي واحمد والاربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدار قطنى والبيهقي من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر رض بن الخطاب عن أبيه ولفظ ابى داود سئل رسول الله ﷺ عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب فقال رسول الله ﷺ إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ولفظ الحاكم إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شىء.
وفى رواية لابى داود وابن ماجة فانه لا بنجس قال الحاكم صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته