قال الزمخشري في «الكشّاف ١:
١٩٦» :

صِبْغَةَ اللَّهِ مصدر مؤكد منتصب على قوله آمَنَّا بِاللَّهِ «١»، وهي فعلة من «صبغ»، كالجلسة من «جلس»، وهي الحالة التي يقع فيها الصبغ.
والمعنى: تطهير الله، لأنّ الإيمان يطهّر النفوس. والأصل فيه أن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمّونه المعمودية، ويقولون هو تطهير لهم. وإذا فعل الواحد منهم بولده ذلك قال: الآن صار نصرانيا حقّا، فأمر المسلمون بأن يقولوا لهم:
قولوا آمنّا بالله، وصبغنا الله بالإيمان صبغة، لا مثل صبغتنا، وطهّرنا به تطهيرا لا مثل تطهيرنا. أو يقول المسلمون: صبغنا الله بالإيمان صبغته، ولم نصبغ صبغتكم. وإنما جيء بلفظ الصبغة على طريقة المشاكلة، كما تقول: لمن يغرس الأشجار: اغرس كما يغرس فلان، تريد رجلا يصطنع الكرم.
وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً يعني أنه يصبغ عباده بالإيمان ويطهّرهم من أو ضار الكفر، فلا صبغة أحسن من صبغته.
أقول: لقد احتملت كلمة «الصبغة» هذا المعنى الاصطلاحي، وهو التطهير حتى صرنا نجدها في مصطلح غير المسلمين، بمعنى التطهير والتقديس، فالصبّاغ مثلا في عربية صابئة اليوم، هو الذي يقوم بعمل الصبغ، أي:
التطهير بصب الماء على من يريد التطهّر، برسوم معرفة لدى الصابئة.
١٣- وقال تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
[الآية ١٤٨].
الجهة (بكسر الجيم) والوجهة والوجهة (بكسر الواو وضمّها) واحد.
والذي جاء في لغة التنزيل: «الوجهة» بكسر الواو، والذي درجت عليه العربية أن فاء الكلمة إذا كان مكسورا حذف في الغالب في المصادر نحو:
«عدة» و «سنة» بكسر عين الكلمة إشارة للواو المكسورة التي حذفت، وقد تحذف الواو وهي مفتوحة إذا كانت فاء الكلمة نادرا نحو «سعة» و «ضعة»، وقد يكون الفتح على السين والضاد بسبب العين الصوت الثالث في الكلمة.

(١). الآية: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ (١٣٦)
.


الصفحة التالية
Icon