اكتسبت من شرّ، لا يؤاخذ بذنبها غيرها، ولا يثاب غيرها بطاعتها. فإن قلت: لم خصّ الخير بالكسب، والشرّ بالاكتساب؟ قلت: في «الاكتساب» اعتمال، فلمّا كان الشرّ ممّا تشتهيه النفس، وهي منجذبة إليه وأمّارة به، كانت في تحصيله أعمل وأجدّ، فجعلت لذلك مكتسبة فيه. ولمّا لم تكن كذلك في باب الخير، وصفت بما لا دلالة فيه على الاعتمال».
أقول:
لو استقرينا الآيات الكريمة في سائر سور القرآن، لنتبيّن حقيقة ما ذهب إليه الزمخشري من أن الفعل المزيد «اكتسب»، قد خصّ بالشرّ في حين أن الفعل المجرّد «كسب»، قد خصّ بالخير، لاهتدينا إلى أنّ المزيد والمجرّد بمعنى، وأنّ الفعل المجرّد يأتي للخير كما يأتي في الشرّ، ومثله الفعل المزيد «اكتسب»، وسنعرض لطائفة من الآيات:
قال تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ [الآية ٢٦٧].
لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا [الآية ٢٦٤].
يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣) [الأنعام].
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [الآية ١٣٤].
لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [الآية ٢٨٦].
إنّ الفعل «كسب»، في هذه الآيات يجيء خاصا بالخير، غير أننا نجد هذا الفعل خاصا بالشر كما في قوله تعالى:
وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) [الأعراف].
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨) [يونس].
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
[النساء: ١١١].
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً
[النساء:
١١٢].
ونأتي إلى المزيد «اكتسب»، فنجده، قد خصّ بالشر، كما في قوله تعالى:
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [النور: ١١].
لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ [الآية ٢٨٦].


الصفحة التالية
Icon