كانوا يكذّبون) على معنى يجحدون، لأن الجحود كفر. وقال فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر: ٩٤] وليس هذا في معنى «فاصدع بالذي تؤمر به». لو كان هذا المعنى لم يكن كلاما حتى تجيء ب «به» ولكن «اصدع بالأمر» جعل «ما تؤمر» اسما واحدا. وقال لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا [آل عمران: ١٨٨] يقول «بالإتيان» يجعل «ما» و «أتوا» اسما للمصدر. وإن شئت قلت: «أتوا» ها هنا «جاءوا» كأنه يقول: «بما جاءوا» يريد «جاءوه» كما تقول «يفرحون بما صنعوا» أي «بما صنعوه» ومثل هذا في القرآن كثير. وتقديره «بكونهم يكذبون» ف «يكذبون» «١» مفعول ل «كان» كما تقول: «سرني زيد بكونه يعقل» أي:
بكونه عاقلا.
وأما قوله تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُمْ [الآية ١١] فمنهم من يضمّ أوله، لأنّه في معنى «فعل» فيريد أن يترك أوله مضموما ليدل على معناه «٢»، ومنهم من يكسره، لأنّ الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم والكسر القياس «٣».
ومنهم من يقول في الكلام: «قد قول له» و «قد بوع المتاع» إذا أراد «قد بيع» و «قيل». جعلها واوا حين ضمّ ما قبلها، لأنّ الياء الساكنة لا تكون بعد حرف مضموم. ومنهم من يروم الضمّ في «قيل» مثل رومهم الكسر في «ردّ»، لغة لبعض العرب ان يقولوا «ردّ» فيكسرون الراء ويجعلون عليها حركة الدال التي في موضع العين. وبعضهم لا يكسر الراء ولكنه يشمّها الكسر، كما يروم في «قيل» الضم. وقال

(١). عاد إلى الكلام على الآية العاشرة.
(٢). نسبت قراءة الضم في السبعة ١٤١ إلى الكسائي، و ١٤٢ إلى ابن عامر وهشام بن عمار، وفي حجّة الفارسي ٢٥٥ أغفل ابن عامر، وفي الكشف ١: ١١٩ والتيسير ٧٢ والبحر ١: ٦١، كذلك أضاف البحر أنّها لغة كثير من قيس وعقيل ومن جاور هم، وعامة بني أسد. وفي حجّة ابن خالويه ٤٥ بلا نسبة.
(٣). في السبعة ١٤٢، أنّها قراءة نافع وابن كثير وعاصم، ابن عمرو وحمزة، وفي حجّة الفارسي ٢٥٥ و ٢٥٦ بإضافة ابن عامر، وفي الكشف ١: ٢٢٩ أنّها لغير هشام الكسائي وفي التيسير ٧٢، والبحر ١: ٦١، وفي الأخير أنّها لغة قريش.


الصفحة التالية
Icon