يعرفوا قاتلها، وأنّ قلوبهم قست بعد هذه المعجزة، حتى صارت كالحجارة، أو أشد قسوة.
ثم ذكر أنّ مثل هؤلاء لا يصح للنّبيّ (ص) وأصحابه أن يطمعوا في إيمانهم، لأنهم في ذلك مثل أسلافهم.
فمنهم من يسمع بشارة التوراة بالنّبيّ (ص)، ثم يحرفها من بعد ما عقلها وعرفها، وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنّا أنّ صاحبكم نبي، ولكن إليكم خاصّة. وإذا خلا بعضهم إلى بعض تعاتبوا على هذا الإقرار مع ما فيه من التحريف. ومنهم أمّيّون جهلاء لا يعلمون التوراة إلّا أمانيّ يمنّيهم بها أحبارهم، فيزعمون أنّ الله لا يؤاخذهم بخطاياهم، وأنّ النار لا تمسّهم إلّا أياما معدودة بقدر أيام الخلق، وهي ستة أيام، ثم ردّ عليهم ذلك بأنّ من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فهو مخلّد في النار، ومن آمن وعمل صالحا فهو مخلّد في الجنّة. ثم ذكر لهم بعضا من سيئاتهم، وأنه أخذ عليهم ميثاقهم أن يخصوه بالعبادة ويحسنوا إلى الوالدين وذي القربى، إلى غير هذا بما أخذ ميثاقهم عليه، فتولّوا عنه إلّا قليلا منهم، وأنّه أخذ عليهم ميثاقهم ألّا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا فريقا منهم من ديارهم، فخالفوا هذا أيضا، ثم ذكر أنّ جزاء من يفعل ذلك إنّما هو الخزي في الدنيا، ويوم القيامة يردّ إلى عذاب أشدّ من عذاب دنياه.
ثم أخذ السياق يوبّخهم على كفرهم واعتيادهم له من قديمهم، فذكر أنّهم كانوا كلّما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا عليه، فرسولا يكذّبون ورسولا يقتلون. ثم ذكر أنّهم لما جاءهم القرآن أنكروه على عادتهم، مع أنّه جاء مصدّقا لما معهم، ومع أنّهم كانوا من قبله يستفتحون على مشركي العرب بالرسول المنتظر، فلمّا جاءهم ما كانوا ينتظرونه كفروا به حسدا أن يكون هناك رسول من غيرهم فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (٩٠).
الردّ على مقالتهم الثانية الآيات [٩١- ٩٦]
ثم قال تعالى وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ