يريدون بذلك فتنته عن دينه، فأمر النّبي (ص) أن يردّ عليهم بأنّ المشرق والمغرب لله يولّي إليهما من يشاء، وبأنّه بهذه القبلة يجعلهم أمة وسطا بين أمم الشرك بالشرق، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى بالغرب، ليكونوا شهداء عليهم بعد تبليغهم دينهم، وبأنّه لم يعد بالقبلة إلى ما كانت عليه قبل الهجرة إلّا ليميّز بين المؤمنين الصادقين الذين يعلمون أنها الحق، والمنافقين الذين يبطنون الكفر ويتأثّرون بتلك المقالة، وبأنّ قبلة بيت المقدس لم تكن القبلة اللائقة بالمسلمين، ولهذا كان النّبي (ص) يقلّب وجهه بالدعاء لتحوّل قبلتهم إلى الكعبة والمنصفون من أهل الكتاب يعلمون أنها الحق من ربهم. أما غيرهم، فلا يؤمنون بها وإن أتا هم بكل آية عليها. غير أنّهم مختلفون في قبلتهم، فإذا اتّبع قبلة بعضهم أغضب غيرهم.
ثمّ ذكر أنّ لكل أمة قبلة هو مولّيها، فليستبق المسلمون إلى الخيرات من الأعمال الصالحة، لأنّها هي المقصود الأهمّ، وشأن القبلة دون شأنها. ثم أمره أن يولّي وجهه شطر المسجد في أي مكان كان لأنه الحق منه، وأمر المسلمين أن يتّبعوه في ذلك لئلا يكون للناس عليهم حجة، وكان اليهود يقولون: لم يدر محمد أين يتوجه في صلاته حتّى هديناه. وكان أكثر العرب يقولون: إنه كان يقول على ملة إبراهيم، والآن ترك التوجه إلى الكعبة، ومن ترك التوجه إلى الكعبة فقد ترك دين إبراهيم.
ثم ذكر حكمة ثانية لذلك، وهي أن يتمّ عليهم نعمته بجعل كعبتهم قبلتهم، كما جعل رسولهم منهم، ثم أمرهم أن يقابلوا ذلك بذكره وشكره وأن يستعينوا على ذلك بالصبر والصلاة والجهاد في سبيله، فإذا أصابهم في ذلك شيء من الخوف والجوع ونحوهما، فليصبروا عليه ليكون لهم بشرى الصابرين، ثم ختم ذلك ببيان أن الصفا والمروة من شعائر الله بالمسجد الحرام الذي أمروا بالتوجّه إليه، وكان الأنصار من أهل المدينة كارهين أن يطوّفوا بينهما.
ولما انتهى السياق من الرد عليهم في ذلك، شرع في تهديدهم على كتمان ما جاء في التوراة من البشارة بالنّبيّ (ص)، فذكر أنّ من يفعل ذلك منهم يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، وأنّ من


الصفحة التالية
Icon