المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «البقرة» «١»
قال بعض الأئمّة: تضمّنت سورة الفاتحة الإقرار بالربوبيّة، والالتجاء إليها في دين الإسلام، والصيانة عن دين اليهود والنصارى، وتضمّنت سورة البقرة قواعد الدين، وآل عمران مكمّلة لمقصودها.
فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم، و «آل عمران» بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم. ولهذا ورد فيها كثير من المتشابه لمّا تمسّك به النصارى.
في «آل عمران» أوجب الحج. أمّا في البقرة، فذكر أنّه مشروع، وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه «٢». في «آل عمران»، كان خطاب النصارى، كخطاب اليهود في البقرة، أكثر من خطابهم في سواها، لأنّ التوراة أصل، والإنجيل فرع لها، والنّبي (ص) لمّا هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم، وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر، كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب، ولهذا كانت السور المكّية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء، فخوطب به جميع الناس، والسور المدنية فيها خطاب من أقرّ بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين، فخوطبوا ب «يا أهل الكتاب»، «يا بني إسرائيل»، «يا أيّها الذين آمنوا».
(٢). وذلك في قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (١٩٦).